للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآخَرُ وَهُوَ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونُ مِنْ صَفَرٍ جَلَسَ الْمَأْمُونُ لِلنَّاسِ وَعَلَيْهِ الْخُضْرَةُ، ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِخِلْعَةٍ سَوْدَاءَ، فَأَلْبَسَهَا طَاهِرًا، ثُمَّ أَلْبَسَ بَعْدَهُ جَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ السَّوَادَ فَلَبِسَ النَّاسُ السَّوَادَ وَعَادُوا إِلَى ذَلِكَ، بَعْدَ مَا عَلِمَ مِنْهُمُ الطَّاعَةَ وَالْمُوَافَقَةَ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمَأْمُونَ مَكَثَ يَلْبَسُ الْخُضْرَةَ بَعْدَ قُدُومِهِ بَغْدَادَ سَبْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ عَمُّهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمَهْدِيِّ بَعْدَ اخْتِفَائِهِ سِتَّ سِنِينَ وَشُهُورًا، قَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: أَنْتَ الْخَلِيفَةُ الْأَسْوَدُ. فَأَخَذَ فِي الِاعْتِذَارِ وَالِاسْتِغْفَارِ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَأْمُونِ: أَنَا الَّذِي مَنَنْتَ عَلَيْهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَفْوِ. وَأَنْشَدَ الْمَأْمُونَ عِنْدَ ذَلِكَ:

لَيْسَ يُزْرِي السَّوَادُ بِالرَّجُلِ الشَّهْـ … ـمِ وَلَا بِالْفَتَى الْأَدِيبِ الْأَرِيبِ

إِنْ يَكُنْ لِلسَّوَادِ مِنْكَ نَصِيبُ … فَبَيَاضُ الْأَخْلَاقِ مِنْكَ نَصِيبِي

قَالَ الْقَاضِي ابْنُ خِلِّكَانَ: وَقَدْ نَظَمَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ نَصْرُ اللَّهِ بْنُ قَلَاقِسَ الْإِسْكَنْدَرِيُّ فَقَالَ:

رُبَّ سَوْدَاءَ وَهِيَ بَيْضَاءُ فِعْلِ … حَسَدَ الْمِسْكَ عِنْدَهَا الْكَافُورُ

مِثْلُ حَبِّ الْعُيُونِ يَحْسَبُهُ النَّا … سُ سَوَادًا وَإِنَّمَا هُوَ نُورُ

<<  <  ج: ص:  >  >>