للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ كَانَ حَسَنَ الْقِرَاءَةِ فَصِيحَ اللَّفْظِ، عَارِفًا بِالْأَدَبِ يَقُولُ الشِّعْرَ، وَكَانَ أَوَّلًا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَانْتَقَلَ إِلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ صَارَ يَتَكَلَّمُ فِي أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَيَقْدَحُ فِيهِمْ مَا أَمْكَنَهُ، وَلَهُ دَسَائِسُ عَجِيبَةٌ فِي ذَمِّهِمْ، ثُمَّ شَرَعَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ يَنْتَصِرُ لِأَصْحَابِهِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ. وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ شِعْرِ الْخَطِيبِ قَصِيدَةً - مِنْ خَطِّهِ - جَيِّدَةَ الْمَطْلِعِ حَسَنَةَ الْمَنْزَعِ أَوَّلُهَا:

لَعَمْرُكَ مَا شَجَانِي رَسْمُ دَارٍ … وَقَفْتُ بِهِ وَلَا ذِكْرُ الْمَغَانِي

وَلَا أَثَرُ الْخِيَامِ أَرَاقَ دَمْعِي … لِأَجْلِ تَذَكُّرِي عَهْدَ الْغَوَانِي

وَلَا مَلَكَ الْهَوَى يَوْمًا قِيَادِي … وَلَا عَاصَيْتُهُ فَثَنَى عِنَانِي

عَرَفْتُ فِعَالَهُ بِذَوِي التَّصَابِي … وَمَا يَلْقَوْنَ مِنْ ذُلِّ الْهَوَانِ

فَلَمْ أُطْمِعْهُ فِيَّ وَكَمْ قَتِيلٍ … لَهُ فِي النَّاسِ مَا يُحْصَى وَعَانِ

طَلَبْتُ أَخًا صَحِيحَ الْوُدِّ مَحْضًا … سَلِيمَ الْغَيْبِ مَحْفُوظَ اللِّسَانِ

فَلَمْ أَعْرِفْ مِنَ الْإِخْوَانِ إِلَّا … نِفَاقًا فِي التَّبَاعُدِ وَالتَّدَانِي

وَعَالَمُ دَهْرِنَا لَا خَيْرَ فِيْهِمْ … تَرَى صُوَرًا تَرُوقُ بِلَا مَعَانِي

وَوَصْفُ جَمِيعِهِمْ هَذَا فَمَا أَنْ … أَقُولُ سِوَى فُلَانٍ أَوْ فُلَانِ

وَلَمَّا لَمْ أَجِدْ حُرًّا يُوَاتِي … عَلَى مَا نَابَ مِنْ صَرْفِ الزَّمَانِ

صَبَرْتُ تَكَرُّمًا لِقِرَاعِ دَهْرِي … وَلَمْ أَجْزَعْ لِمَا مِنْهُ دَهَانِي

وَلَمْ أَكُ فِي الشَّدَائِدِ مُسْتَكِينًا … أَقُولُ لَهَا أَلَا كُفِّي كَفَانِي

وَلَكِنِّي صَلِيبُ الْعُودِ عَوْدٌ … رَبِيطُ الْجَأْشِ مُجْتَمِعُ الْجَنَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>