دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الصَّعْقَ، الَّذِي يَحْصُلُ لِلْخَلَائِقِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، حِينَ يَتَجَلَّى الرَّبُّ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، فَيُصْعَقُونَ مِنْ شِدَّةِ الْهَيْبَةِ وَالْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ، فَيَكُونُ أَوَّلَهُمْ إِفَاقَةً مُحَمَّدٌ، خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَمُصْطَفَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، فَيَجِدُ مُوسَى بَاطِشًا بِقَائِمَةِ الْعَرْشِ. قَالَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: لَا أَدْرِي أَصُعِقُ، فَأَفَاقَ قَبْلِي أَيْ كَانَتْ صَعْقَتُهُ خَفِيفَةً; لِأَنَّهُ قَدْ نَالَهُ بِهَذَا السَّبَبِ فِي الدُّنْيَا صَعْقٌ، أَوْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ، يَعْنِي فَلَمْ يُصْعَقْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا فِيهِ شَرَفٌ كَبِيرٌ وَعُلُوُّ مَرْتَبَةٍ لِمُوسَى، ﵇، مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ تَفْضِيلُهُ بِهَا مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ; وَلِهَذَا نَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى شَرَفِهِ وَفَضِيلَتِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ; لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَمَّا ضَرَبَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ، حِينَ قَالَ: لَا وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ. قَدْ يَحْصُلُ فِي نُفُوسِ الْمُشَاهِدِينَ لِذَلِكَ هَضْمٌ بِجَنَابِ مُوسَى، ﵇، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ فَضِيلَتَهُ وَشَرَفَهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي أَيْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، لَا مَا قَبْلَهُ; لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ أَفْضَلُ مِنْهُ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَا مَا بَعْدَهُ; لِأَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ أَفْضَلُ مِنْهُمَا; كَمَا ظَهَرَ شَرَفُهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَكَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ: سَأَقُومُ مَقَامًا يَرْغَبُ إِلَيَّ الْخَلْقُ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ أَيْ; فَخُذْ مَا أَعْطَيْتُكَ مِنَ الرِّسَالَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute