بَلَغَ بِلَادَ حَلَبَ وَعَلَيْهَا شِبْلُ الدَّوْلَةِ نَصْرُ بْنُ صَالِحِ بْنِ مِرْدَاسٍ، فَنَزَلُوا عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ مِنْهَا، وَمِنْ عَزْمِ مَلِكِ الرُّومِ - قَبَّحَهُ اللَّهُ - أَنْ يَسْتَحْوِذَ عَلَى بِلَادِ الشَّامِ بِكَمَالِهَا، وَأَنْ يَسْتَرِدَّهَا إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي أَيْدِيهِمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَقَيْصَرُ هُوَ مَنْ مَلَكَ الشَّامَ مَعَ بِلَادِ الرُّومِ، فَلَا سَبِيلَ لِمَلِكِ الرُّومِ إِلَى هَذَا الرَّوْمِ الَّذِي أَرَادَهُ هَذَا الْمَذْمُومُ، فَلَمَّا نَزَلَ بِجَيْشِهِ قَرِيبًا مِنْ حَلَبَ كَمَا ذَكَرْنَا، أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَطَشًا شَدِيدًا، وَخَالَفَ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ; وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ الدُّمُسْتُقُ، فَعَامَلَ طَائِفَةً مِنَ الْجَيْشِ عَلَى قَتْلِهِ لِيَسْتَقِلَّ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ، فَفَهِمَ ذَلِكَ مَلِكُ الرُّومِ، فَكَرَّ مِنْ فَوْرِهِ رَاجِعًا وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا [الْأَحْزَابِ: ٢٥] وَلَمَّا كَرُّوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ، اتَّبَعَهُمُ الْأَعْرَابُ يَنْهَبُونَهُمْ لَيْلًا وَنَهَارًا وَصَبَاحًا وَمَسَاءً، وَهَلَكَ أَكْثَرُ الرُّومِ جُوعًا وَعَطَشًا، وَنَهْبَهُمُ الْأَعْرَابُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَفِيهَا مَلَكَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ وَاسِطًا وَاسْتَنَابَ وَلَدَهُ عَلَيْهَا، وَبَعَثَ وَزِيرَهُ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مَاكُولَا إِلَى الْبَطَائِحِ وَالْبَصْرَةِ، فَفَتَحَ الْبَطَائِحَ وَسَارَ فِي الْمَاءِ إِلَى الْبَصْرَةِ وَعَلَيْهَا نَائِبٌ لِأَبِي كَالِيجَارَ، فَهَزَمَهُمُ الْبَصْرِيُّونَ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ جَلَالُ الدَّوْلَةِ بِنَفْسِهِ، فَدَخَلَهَا فِي شَعْبَانِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُقَّتِ الْبَشَائِرُ فَرَحًا بِبَغْدَادَ; فَرَحًا بِنَصْرِهِ.
وَفِيهَا جَاءَ سَيْلٌ عَظِيمٌ بِغَزْنَةَ، فَأَهْلَكَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الزُّرُوعِ وَالْأَشْجَارِ.
وَفِي رَمَضَانَ مِنْهَا تَصَدَّقَ مَسْعُودُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ بِأَلْفِ أَلْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute