للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ، وَقَوْلُهُ، «وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ» أَيْ جُلُّهُ وَأَعْظَمُهُ الْوَحْيُ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْحَجَّةُ الْمُسْتَمِرَّةُ الدَّائِمَةُ الْقَائِمَةُ فِي زَمَانِهِ وَبَعْدَهُ، فَإِنَّ الْبَرَاهِينَ الَّتِي كَانَتْ لِلْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَ زَمَانُهَا فِي حَيَاتِهِمْ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا الْخَبَرُ عَنْهَا، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ حُجَّةٌ قَائِمَةٌ، كَأَنَّمَا يَسْمَعُهُ السَّامِعُ مِنْ فَلْقٍ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحُجَّةُ اللَّهِ قَائِمَةٌ بِهِ فِي حَيَّاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ «فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ لِاسْتِمْرَارِ مَا آتَانِيَ اللَّهُ مِنَ الْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ وَالْبَرَاهِينِ الدَّامِغَةِ، فَلِهَذَا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا.

[الدَّلَائِلُ الْمَعْنَوِيَّةُ]

فَصْلٌ

وَمِنَ الدَّلَائِلِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَخْلَاقُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الطَّاهِرَةُ وَخُلُقُهُ الْكَامِلُ، وَشَجَاعَتُهُ، وَحِلْمُهُ، وَكَرَمُهُ، وَزُهْدُهُ، وَقَنَاعَتُهُ، وَإِيثَارُهُ، وَجَمِيلُ صُحْبَتِهِ، وَصِدْقُهُ، وَأَمَانَتُهُ، وَتَقْوَاهُ، وَعِبَادَتُهُ، وَكَرِيمُ أَصْلِهِ، وَطِيبُ مَوْلِدِهِ وَمَنْشَئِهِ وَمُرَبَّاهُ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَبْسُوطًا فِي مَوَاضِعِهِ، وَمَا أَحْسَنَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي كِتَابِهِ الَّذِي رَدَّ فِيهِ عَلَى فِرَقِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي آخِرِهِ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ، وَسَلَكَ فِيهَا مَسَالِكَ حَسَنَةً صَحِيحَةً مُنْتَخَبَةً بِكَلَامٍ بَلِيغٍ يَخْضَعُ لَهُ كُلُّ مَنْ تَأَمَّلَهُ وَفَهِمَهُ. قَالَ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ:

فَصْلٌ

وَسِيرَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْلَاقُهُ وَأَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ مِنْ آيَاتِهِ - أَيْ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>