للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ وَمَا أَفَاءَ [الْحَشْرِ: ١ - ٥]. سَبَّحَ نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُسَبِّحُ لَهُ جَمِيعُ مَخْلُوقَاتِهِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ، وَأَنَّهُ الْعَزِيزُ وَهُوَ مَنِيعُ الْجَنَابِ، فَلَا تُرَامُ عَظَمَتُهُ وَكِبْرِيَاؤُهُ، وَأَنَّهُ الْحَكِيمُ فِي جَمِيعِ مَا خَلَقَ، وَجَمِيعِ مَا قَدَّرَ وَشَرَعَ، فَمِنْ ذَلِكَ تَقْدِيرُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَتَيْسِيرُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي ظَفْرِهِمْ بِأَعْدَائِهِمُ الْيَهُودِ الَّذِينَ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَجَانَبُوا رَسُولَهُ وَشَرْعَهُ، وَمَا كَانَ مِنَ السَّبَبِ الْمُفْضِي لِقِتَالِهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ، حَتَّى حَاصَرَهُمُ الْمُؤَيَّدُ بِالرُّعْبِ وَالرَّهَبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَمَعَ هَذَا فَأَسَرَهُمْ بِالْمُحَاصَرَةِ بِجُنُودِهِ وَنَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ سِتَّ لَيَالٍ، فَذَهَبَ بِهِمُ الرُّعْبُ كُلَّ مَذْهَبٍ، حَتَّى صَانَعُوا وَصَالَحُوا عَلَى حَقْنِ دِمَائِهِمْ، وَأَنْ يَأْخُذُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ رِكَابُهُمْ، عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَسْتَصْحِبُونَ شَيْئًا مِنَ السِّلَاحِ; إِهَانَةً لَهُمْ وَاحْتِقَارًا، فَجَعَلُوا يُخَرِّبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصِبْهُمُ الْجَلَاءُ، وَهُوَ التَّسْيِيرُ وَالنَّفْيُ مِنْ جِوَارِ الرَّسُولِ مِنَ الْمَدِينَةِ لَأَصَابَهُمْ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ مِنَ الْعَذَابِ الدُّنْيَوِيِّ، وَهُوَ الْقَتْلُ مَعَ مَا ادُّخِرَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ الْمُقَدَّرِ لَهُمْ. ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى حِكْمَةَ مَا وَقَعَ مِنْ تَحْرِيقِ نَخْلِهِمْ، وَتَرْكِ مَا بَقِيَ مِنْهُ لَهُمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ سَائِغٌ، فَقَالَ: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ وَهُوَ جَيِّدُ التَّمْرِ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا إِنَّ الْجَمِيعَ قَدْ أُذِنَ فِيهِ شَرْعًا وَقَدَرًا، فَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>