للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَاءَهُ نَارٌ، وَنَارَهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ.

وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، كَابْنِ حَزْمٍ وَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِمَا فِي أَنَّ الدَّجَّالَ مُمَخْرِقٌ مُمَوِّهٌ، لَا حَقِيقَةَ لِمَا يُبْدِي لِلنَّاسِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تُشَاهَدُ فِي زَمَانِهِ، بَلْ كُلُّهَا خَيَالَاتٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ حَقِيقَةٌ; لِئَلَّا يَشْتَبِهَ خَارِقُ السَّاحِرِ بِخَارِقِ النَّبِيِّ. وَقَدْ أَجَابَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الدَّجَّالَ إِنَّمَا يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِبَشَرِيَّتِهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ إِجْرَاءُ الْخَارِقِ عَلَى يَدَيْهِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ.

وَقَدْ أَنْكَرَتْ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ خُرُوجَ الدَّجَّالِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَرَدُّوا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِيهِ، فَلَمْ يَصْنَعُوا شَيْئًا، وَخَرَجُوا بِذَلِكَ عَنْ حَيِّزِ الْعُلَمَاءِ; لِرَدِّهِمْ مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا بَعْضَ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِيهِ كِفَايَةٌ وَمَقْنَعٌ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.

وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ الدَّجَّالَ يَمْتَحِنُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ بِمَا يَخْلُقُهُ مَعَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ الْمُشَاهَدَةِ فِي زَمَانِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنِ اسْتَجَابَ لَهُ يَأْمُرُ السَّمَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>