فَكَتَبَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَى يَزِيدَ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ، وَكَتَبَ إِلَى يَزِيدَ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ وَعُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَبَعَثَ يَزِيدُ، فَعَزَلَ النُّعْمَانَ عَنِ الْكُوفَةِ وَضَمَّهَا إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ مَعَ الْبَصْرَةِ، وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ سَرْجُونَ مَوْلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ يَزِيدُ يَسْتَشِيرُهُ، فَقَالَ سَرْجُونُ: أَكُنْتَ قَابِلًا مِنْ مُعَاوِيَةَ مَا أَشَارَ بِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاقْبَلْ مِنِّي، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْكُوفَةِ إِلَّا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، فَوَلِّهِ إِيَّاهَا، وَكَانَ يَزِيدُ يُبْغِضُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ، وَكَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْزِلَهُ عَنِ الْبَصْرَةِ فَوَلَّاهُ الْبَصْرَةَ وَالْكُوفَةَ مَعًا لِمَا يُرِيدُهُ اللَّهُ بِهِ وَبِغَيْرِهِ.
ثُمَّ كَتَبَ يَزِيدُ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ: إِذَا قَدِمْتَ الْكُوفَةَ فَتَطَلَّبْ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ فَإِنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَاقْتُلْهُ أَوِ انْفِهِ. وَبَعَثَ الْكِتَابَ مَعَ الْعَهْدِ مَعَ مُسْلِمِ بْنِ عَمْرٍو الْبَاهِلِيِّ، فَسَارَ ابْنُ زِيَادٍ مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى الْكُوفَةِ، فَلَمَّا دَخَلَهَا دَخَلَهَا مُتَلَثِّمًا بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ بِمَلَأٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكَمْ. فَيَقُولُونَ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ، مَرْحَبًا يَابْنَ رَسُولِ اللَّهِ. يَظُنُّونَ أَنَّهُ الْحُسَيْنُ، وَقَدْ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ قُدُومَهُ، وَتَكَاثَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَدَخَلَهَا فِي سَبْعَةَ عَشَرَ رَاكِبًا، فَقَالَ لَهُمْ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو الَّذِي مِنْ جِهَةِ يَزِيدَ: تَأَخَّرُوا، هَذَا الْأَمِيرُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ فَلَمَّا عَلِمُوا ذَلِكَ عَلَتْهُمْ كَآبَةٌ وَحُزْنٌ شَدِيدٌ، فَتَحَقَّقَ عُبَيْدُ اللَّهِ الْخَبَرَ، وَنَزَلَ قَصْرَ الْإِمَارَةِ مِنَ الْكُوفَةِ.
وَلَمَّا انْتَهَى ابْنُ زِيَادٍ إِلَى بَابِ الْقَصْرِ وَهُوَ مُتَلَثِّمٌ ظَنَّهُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ الْحُسَيْنَ قَدْ قَدِمَ، فَأَغْلَقَ بَابَ الْقَصْرِ، وَقَالَ: مَا أَنَا بِمُسْلِمٍ إِلَيْكَ أَمَانَتِي. فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ: افْتَحْ لَا فَتَحْتَ. فَفَتَحَ وَهُوَ يَظُنُّهُ الْحُسَيْنَ، فَلَمَّا تَحَقَّقَ أَنَّهُ عُبَيْدُ اللَّهِ أُسْقِطَ فِي يَدِهِ، فَدَخَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى قَصْرِ الْإِمَارَةِ، وَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute