أَيَّ قِتْلَةٍ قُتِلْتُ، وَلَا أَيَّ مِيتَةٍ مِتُّ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ الْحَجَّاجِ فَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُخْبِرُهُ بِمَا قَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ، فَلَمَّا قَرَأَ عَبْدُ الْمَلِكِ كِتَابَ أَنَسٍ اسْتَشَاطَ غَضَبًا، وَصَفَّقَ عَجَبًا، وَتَعَاظَمَ ذَلِكَ مِنَ الْحَجَّاجِ، وَكَانَ كِتَابُ أَنَسٍ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، مِنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَمَّا بَعْدُ; فَإِنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ لِي هُجْرًا، وَأَسْمَعَنِي نُكْرًا، وَلَمْ أَكُنْ لِذَلِكَ أَهْلًا، فَخُذْ لِي عَلَى يَدَيْهِ، فَإِنِّي أَمُتُّ بِخِدْمَتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصُحْبَتِي إِيَّاهُ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
فَبَعَثَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ وَكَانَ مُصَادِقًا لِلْحَجَّاجِ فَقَالَ لَهُ: دُونَكَ كِتَابَيَّ هَذَيْنِ فَخُذْهُمَا، وَارْكَبِ الْبَرِيدَ إِلَى الْعِرَاقِ، وَابْدَأْ بِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَادْفَعْ كِتَابِي إِلَيْهِ، وَأَبْلِغْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، قَدْ كَتَبْتُ إِلَى الْحَجَّاجِ الْمَلْعُونِ كِتَابًا، إِذَا قَرَأَهُ كَانَ أَطْوَعَ لَكَ مِنْ أَمَتِكَ. وَكَانَ كِتَابُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خَادِمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ; فَقَدْ قَرَأْتُ كِتَابَكَ، وَفَهِمْتُ مَا ذَكَرْتَ مِنْ شِكَايَتِكَ الْحَجَّاجَ، وَمَا سَلَّطْتُهُ عَلَيْكَ، وَلَا أَمَرْتُهُ بِالْإِسَاءَةِ إِلَيْكَ، فَإِنْ عَادَ لِمِثْلِهَا اكْتُبْ إِلَيَّ بِذَلِكَ أُنْزِلْ بِهِ عُقُوبَتِي، وَتَحْسُنْ لَكَ مَعُونَتِي، وَالسَّلَامُ.
فَلَمَّا قَرَأَ أَنَسٌ كِتَابَهُ وَأُخْبِرَ بِرِسَالَتِهِ قَالَ: جَزَى اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنِّي خَيْرًا، وَعَافَاهُ وَكَفَاهُ، وَكَافَأَهُ بِالْجَنَّةِ، فَهَذَا كَانَ ظَنِّي بِهِ وَالرَّجَاءَ مِنْهُ.
فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ لِأَنَسٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute