للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُعْرَفُ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا كُلِّهَا مَدِينَةٌ مُدَوَّرَةٌ سِوَاهَا، وَوَضَعَ أَسَاسَهَا فِي وَقْتٍ اخْتَارَهُ لَهُ نُوبَخْتُ الْمُنَجِّمُ. ثُمَّ رَوَى عَنْ بَعْضِ الْمُنَجِّمِينَ قَالَ: قَالَ لِي الْمَنْصُورُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ بَغْدَادَ: خُذِ الطَّالِعَ. فَنَظَرْتُ فِي طَالِعِهَا، وَكَانَ الْمُشْتَرِي فِي الْقَوْسِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّجُومُ مِنْ طُولِ زَمَانِهَا، وَكَثْرَةِ عِمَارَتِهَا وَانْصِبَابِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا، وَفَقْرِ النَّاسِ إِلَى مَا فِيهَا. قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: وَأُبَشِّرُكُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبِشَارَةٍ أُخْرَى; وَهِيَ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ أَبَدًا. قَالَ: فَرَأَيْتُهُ يَبْتَسِمُ ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

وَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا مِنْهُ:

قَضَى رَبُّهَا أَنْ لَا يَمُوتَ خَلِيفَةٌ ... بِهَا إِنَّهُ مَا شَاءَ فِي خَلْقِهِ يَقْضِي

وَقَدْ قَرَّرَهُ عَلَى هَذَا الْخَطَأِ الْخَطِيبُ، وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْقُضْهُ بِشَيْءٍ، مَعَ اطِّلَاعِهِ وَمَعْرِفَتِهِ.

قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْأَمِينَ قُتِلَ بِدَرْبِ الْأَنْبَارِ مِنْهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْقَاضِي أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيِّ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ الْأَمِينُ أَيْضًا لَمْ يُقْتَلْ بِالْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا قَدْ نَزَلَ فِي سَفِينَةٍ إِلَى دِجْلَةَ لِيَتَنَزَّهَ، فَقُبِضَ عَلَيْهِ فِي وَسَطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>