للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدِمَ أَعْرَابِيٌّ وَمَعَهُ كِتَابٌ مَخْتُومٌ، فَجَعَلَ يَقُولُ: هَذَا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْنَ الرَّجُلُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الرَّبِيعُ؟ فَدَلُّوهُ عَلَى الرَّبِيعِ الْحَاجِبِ، فَأَخَذَ الْكِتَابَ وَجَاءَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَوْقَفَ الْأَعْرَابِيَّ، وَفَتَحَ الْكِتَابَ، فَإِذَا هُوَ قِطْعَةُ أَدِيمٍ، فِيهَا كِتَابَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَالْأَعْرَابِيُّ يَزْعُمُ أَنَّ هَذَا خَطُّ الْخَلِيفَةِ، فَتَبَسَّمَ الْمَهْدِيُّ وَقَالَ: صَدَقَ الْأَعْرَابِيُّ هَذَا خَطِّي، إِنِّي خَرَجْتُ يَوْمًا إِلَى الصَّيْدِ، فَضِعْتُ مِنَ الْجَيْشِ، وَأَقْبَلَ اللَّيْلُ، فَتَعَوَّذْتُ بِتَعَوُّذِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُفِعُ لِي نَارٌ مِنْ بُعْدٍ، فَقَصَدْتُهَا فَإِذَا هُوَ الشَّيْخُ وَامْرَأَتُهُ فِي خِبَاءٍ يُوقِدَانِ نَارًا، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّ السَّلَامَ، وَفَرَشَ لِي كِسَاءً، وَسَقَانِي مِنْ مَذْقَةٍ مِنْ لَبَنٍ مَشُوبٍ بِمَاءٍ، فَمَا شَرِبْتُ شَيْئًا إِلَّا وَهِيَ أَطْيَبُ مِنْهُ، وَنِمْتُ نَوْمَةً عَلَى تِلْكَ الْعَبَاءَةِ مَا أَذْكُرُ أَنِّي نِمْتُ نَوْمَةً أَحْلَى مِنْهَا. فَقَامَ إِلَى شُوَيْهَةٍ لَهُ فَذَبَحَهَا، فَسَمِعْتُ امْرَأَتَهُ تَقُولُ لَهُ: عَمَدْتَ إِلَى مَعِيشَتِكَ وَمَعِيشَةِ أَوْلَادِكَ فَذَبَحْتَهَا؟! أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ وَعِيَالِكَ. فَمَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا، وَاسْتَيْقَظْتُ مِنَ النَّوْمِ فَاشْتَوَيْتُ مِنْ تِلْكَ الشُّوَيْهَةِ، وَقُلْتُ لَهُ: أَعْنَدَكَ شَيْءٌ أَكْتُبُ لَكَ فِيهِ كِتَابًا؟ فَأَتَانِي بِهَذِهِ الرُّقْعَةِ مِنَ الْأَدِيمِ فَكَتَبْتُ لَهُ بِعُودٍ مِنْ ذَلِكَ الرَّمَادِ خَمْسَمِائَةِ أَلْفٍ، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ خَمْسِينَ أَلْفًا، وَاللَّهِ لَأُنْفِذَنَّهَا لَهُ كُلَّهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ سِوَاهَا. فَقَبَضَهَا الْأَعْرَابِيُّ، وَاسْتَمَرَّ مُقِيمًا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُوَ فِي طَرِيقِ الْحَاجِّ مِنْ نَاحِيَةِ الْأَنْبَارِ فَجَعَلَ يُقْرِي النَّاسَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَعُرِفَ بِمَنْزِلِ مُضِيفِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَهْدِيِّ.

وَعَنْ سَوَّارٍ - صَاحِبِ رَحْبَةِ سَوَّارٍ - قَالَ: انْصَرَفْتُ يَوْمًا مِنْ عِنْدِ الْمَهْدِيِّ، فَجِئْتُ مَنْزِلِي فَوُضِعَ لِيَ الْغَدَاءُ، فَلَمْ تُقْبِلْ نَفْسِي عَلَيْهِ، فَدَخَلْتُ خَلْوَتِي لِأَنَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>