للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَمْسِ دَوَائِرَ، وَفَرَّعَهُ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ بَحْرًا، وَزَادَ الْأَخْفَشُ فِيهِ بَحْرًا آخَرَ، وَهُوَ الْخَبَبُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

قَدْ كَانَ شِعْرُ الْوَرَى صَحِيحًا ... مِنْ قَبْلُ أَنْ يُخْلَقَ الْخَلِيلُ

وَقَدْ كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِعِلْمِ النَّغَمِ، وَلَهُ فِيهِ تَصْنِيفٌ أَيْضًا، وَلَهُ كِتَابُ " الْعَيْنِ " فِي اللُّغَةِ، ابْتَدَأَهُ وَأَكْمَلَهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَأَضْرَابُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، كَمُؤَرِّجٍ السَّدُوسِيِّ، وَنَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ. فَلَمْ يُنَاسِبُوا مَا وَضَعَهُ الْخَلِيلُ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَدْ وَضَعَ ابْنُ دَرَسْتَوَيْهِ كِتَابًا بَيَّنَ فِيهِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنَ الْخَلَلِ، فَأَفَادَ.

وَقَدْ كَانَ الْخَلِيلُ رَجُلًا صَالِحًا عَاقِلًا كَامِلًا حَلِيمًا وَقُورًا، وَكَانَ مُتَقَلِّلًا مِنَ الدُّنْيَا، صَبُورًا عَلَى الْعَيْشِ الْخَشِنِ الضَّيِّقِ، وَكَانَ يَقُولُ: لَا يُجَاوِزُ هَمِّي مَا وَرَاءَ بَابِي. وَكَانَ ظَرِيفًا حَسَنَ الْخُلُقِ.

وَذُكِرَ أَنَّهُ اشْتَغَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فِي الْعُرُوضِ، قَالَ: وَكَانَ بَعِيدَ الْفَهْمِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ يَوْمًا: كَيْفَ تُقَطِّعُ هَذَا الْبَيْتَ؟

إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ ... وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ

فَشَرَعَ مَعِي فِي تَقْطِيعِهِ عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ نَهَضَ مِنْ عِنْدِي فَلَمْ يَعُدْ إِلَيَّ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَحْمَدَ سِوَى أَبِيهِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>