للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء)]

قال الله تعالى له: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [القصص:٣٢].

أراه الله وأطلعه على الآية الأولى لتكون علامة صدقه ومعجزة نبوته ورسالته إلى فرعون الكاذب المتأله، وإلى قومه بني إسرائيل المستعبدين في مصر كذلك، فأراه الآية الأولى والمعجزة الأولى وهي العصا، ثم أراه المعجزة الثانية وقال له تعالى: (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) أي: أدخل يدك في شق قميصك، قالوا: الشق يكون عند الصدر، وقالوا: الشق يكون في اليمين أو اليسار وليس هذا مهماً المهم أن الله تعالى قال له: أدخل يدك في جيبك (تَخْرُجْ بَيْضَاءَ) فأدخل يده في جيبه وفي شق قميصه ثم أخرجها كما أمره ربه، وإذا يده كأنها الكوكب الدري، كأنها اللمبة الكهربائية ذات الإضاءة والإنارة القوية.

وقوله: (مِنْ غَيْرِ سُوء) أي: من غير مرض ولا برص، تخرج بيضاء لا بياض مرض ولا بياض برص، ولكن بياض معجزة وإنارة، ويكون ذلك متى تريده ويزول متى تريد، فلما أدخل موسى يده في جيبه رأى يده تشتعل كما رأى الشجرة من بعيد وقد حسبها ناراً، ولكنه مع ذلك لم يفزع، فقد استأنس من المرة الأولى عندما قال له ربه: {أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ} [القصص:٣١] فأمن على نفسه وزال قلقه واضطراب بشريته، ووقف لأمر ربه ليتلقى الآيات والمعجزات التي سيذهب بها إلى فرعون وملئه.

ثم قال الله له: (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) قرئ: (الرّهْب) و (الرهَب)، أي: الرُعب، وجناح الإنسان يداه.

فقوله: (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْب) أي: إذا أنت رُعبت وخفت عند استقبالك فرعون فضم يدك إلى صدرك، فيزول عنك هذا الرُعب.

وقد قال مفسّرو الآية الكريمة كذلك: من ارتُعب من شيء يراه أو شيء يسمعه أو خواطر سوء تخطر بباله فليضم يده إلى صدره وليتل وليذكر فيزيل الله بإذنه رُعبه وخوفه وهلعه، كما أزال خوف موسى ورعبه وقلقه.

وقوله: (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ) أي: إلقاء العصا وصيرورتها حية، وإدخال يدك في جيبك تخرج بيضاء كأنها الكوكب الدري، تانك علامتان ودليلان وبرهانان ومعجزتان سترسل بهما إلى فرعون وملئه، وهما آيتان دالتان على صدقك، ومعجزتان من جملة معجزات الأنبياء.

وقوله: (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِه) أي: إلى وزرائه وجماعته وكبراء قومه وأشرافهم، والملأ كبراء القوم وأشرافهم وزعماؤهم.

وقوله: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) أي: كان قوم فرعون جماعة فاسقين، فسقوا عن أمر ربهم، وخرجوا عن التوحيد، وكفروا بالله وأشركوا به، فألهوا فرعون وزعموه إلهاً ورباً من دون الله، فاذهب إلى هؤلاء الفاسقين وادعهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فإن هم كذّبوك فأظهر هاتين العلامتين وهذين البرهانين الدالين على تصديقك، وإذا بموسى عليه السلام بعد أن وعى الرسالة وحفظ المهمة وعرف ما أُريد به يذهب متجهاً إلى فرعون وقومه.