للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (واختلاف الليل والنهار)]

قال تعالى: {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الجاثية:٥].

ومن الأدلة اختلاف الليل والنهار، فالليل قد يقع أربع عشرة ساعة، وقد يقع أقل منها، وكذلك النهار، وهناك ليل يأتي أطول من ذلك، ونهار يأتي أطول من ذلك، وهناك نهار يكون في شدة الحر، ونهار يأتي في شدة البرد، وهناك ليال تأتي في فصل الربيع وفصل الخريف، وهناك ليل بارد شديد البرودة، وليل حار شديد الحرارة، ونهار كذلك، كما تختلف أحوالهما والكون واحد، والدنيا واحدة، والخالق واحد جل جلاله، فاختلاف الليل والنهار، واللغات والألوان، والأزمان والأمصار، كل ذلك بأمره، وكل ذلك بقدرته، وكل ذلك بإرادته.

وقوله تعالى: {وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ} [الجاثية:٥] الرزق هنا الماء؛ فبه تنبت المزروعات، وتنبت النباتات، وتنبت الأشجار، وتعيش الدواب فتعطيك من لحمها ومن جلدها ومن حليبها ومن سمنها.

يقول تعالى: {وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ} [الجاثية:٥] أي: من مطر {فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الجاثية:٥] وقد كانت لا تنبت، وإذا بنا نرى النبت قد أخذ يهتز ويربو ويعلو، فتعطي الأرض الناس من ثمارها، ومن ورودها وأزهارها، ومن فواكهها، ومن الخيرات والأرزاق بسبب هذا المطر الذي أنزله الله ورزق به الإنسان والحيوان والطير، فمن الذي أنزل ذلك؟! ومن خلق ذلك؟! ومن رزقنا بذلك؟! لو فكر الإنسان في ذلك قليلاً لما احتاج إلى كثير علم ولا إلى كثير عقل، وسيفهم الحقائق كلها بلا تفهيم ولا تعب، وسيعلم خالق كل هذا هو الله الذي أحيانا وخلقنا ونوع الليالي والأيام، وخلق السماوات والأرض، وخلق الدواب، وأنزل الأمطار.

وقوله تعالى: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} [الجاثية:٥] هذه الرياح منها رياح عقيمة لا تأتي بشيء، ورياح ملقحة تلقح الأزهار ذكرانها بإناثها فتعطي الطعم والثمر، ورياح تسقط الأوراق في الخريف، ورياح تأتي عاصفة تنقل الماء سحاباً من البحار، فينزله الله ماءً عذباً موزعاً على الأرض يحيي به الأرض بعد موتها.

وقوله تعالى: {آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الجاثية:٥] أي: دلائل واضحات، وآيات بينات، على قدرة الله جل جلاله وعلى وحدانيته وعلى أنه استغنى عن الشرك في الذات والصفة والأفعال، هو الذي يفعل كل شيء بمحض قدرته وإرادته ووحدانيته، لا يحتاج إلى أحد، وكل شيء يحتاج إليه.