للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (الله الذي خلقكم ثم رزقكم)]

قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:٤٠].

يقول ربنا جل جلاله: الله رب الأرباب وإله الخلق، وهو الذي انفرد بهذا الاسم الكريم وانفرد بالوحدانية والقدرة والإرادة، وهو الذي خلقنا يوم خلقنا وليس لنا من الدنيا ولا من الفهم شيء، بل خلقنا كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (إن الله يخلق الوليد من بطن أمه يوم تلده وهو أحمر لا كسوة عليه ولا رزق له)، ثم بعد خلقه وخروجه إلى الدنيا يرزقه ويكسوه ويعطيه.

وفي الأحاديث النبوية: إن الله يخلقنا في بطون أمهاتنا خلقاً بعد خلق، فبعد أربعين يوماً تنفخ الروح، ثم بعد ذلك يأتيه الملك فيسأل ربه: أشقي أم سعيد؟ ويسأله عن رزقه وحياته وأجله، فيكتب رزقه قبل خروجه إلى الدنيا، فهو يخرج عارياً فيكسوه الله، ويخرج جائعاً فيرزقه الله وينعم عليه، فالله هو الذي انفرد بخلقنا، فقد خلقنا من تراب، ثم من ضلع أعوج من صدر أبينا آدم حين خلق أمنا حواء، ثم بعد ذلك من نطفة من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم من عظام، ثم كسا العظام لحماً، ثم أخرجنا بشراً سوياً، وبعد أن نخرج إلى الدنيا فإنه هو الذي ينفرد برزقنا وعطائنا، فيبسط الرزق لمن يشاء منا ويقدره على من يشاء، ثم بعد الحياة طالت أم قصرت، وبعد الغنى والفقر طال أم قصر يميتنا بآجالنا، كما قال تعالى: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس:٤٩].

ثم بعد الموت يبعثنا بعثة أخرى، ويحيينا حياة ثانية، وهي حياة الآخرة والعرض على الله، فهذه أطوار ثلاثة من الخلق: الأول: من العدم إلى الوجود، والثاني: من الحياة إلى الموت، والثالث: من الموت إلى الحياة.

ثم قال الله للمشركين: {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الروم:٤٠].

أي: هل يوجد أحد ممن أشركتموه واتخذتموه إلهاً ورباً بلا دليل ولا منطق من يفعل كفعل الله من خلقكم ورزقكم وإماتتكم وإحيائكم؟! والجواب واضح في تسبيح الله وتنزيهه لجلاله وعظمته في قوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص:٦٨].

أي: تعالى الله عن شركائهم، وتنزه وتمجد وتقدس وتعظم من أن يكون له شريك أو وزير أو معين، فهو القادر على كل شيء وحده، وليس محتاجاً إلى معين أو شريك، فسبح نفسه ومجدها وعظمها عن هذا القول، وتعالى الله عن قول المشركين والكافرين.

وهو يعلمنا أن نقول كذلك: سبحان الله وتعالى الله عن الشركاء وعن كذب الكاذبين وشرك المشركين وفجور الفاجرين!