للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين)]

ثم يقول ربنا جل جلاله: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ} [الصافات:١٣٧].

فأنتم ترونهم رأي العين، وأرضهم هي البحر الميت في الأردن وفلسطين، وهذه هي الأرض الميتة في ذلك الوقت إلى الآن، فلا يعيش فيها شيء، وليس فيها حياة لا أسماك ولا هوام، ورائحتها منتنة قذرة من ذلك الوقت، فقد أصابها من السماء من عذاب الله ما جعل ماءها عقيماً ميتاً لا يصلح للحياة، فالماء لا يصلح لشيء: لا يشرب منه الإنسان ولا الدواب، تلك البقعة هي التي سلط الله عليها ما سلط، ولا تزال تسمى: البحيرة الميتة والبحر الميت، والبحيرة المنتنة والبحر المنتن القذر ذو الروائح الكريهة، وكان ذلك في أرض سدوم وقبائلهم.

وقد زعم ملاحدة كفار ممن لا يؤمنون بالله أن الأولين عرفوا القنبلة الذرية، فجاءوا إلى هذه البقعة وأخذوا منها تراباً وأحجاراً وحللوها كيميائياً، فوجدوا فيها مادة الذرة، قالوا: وهذا دليل على أن الذرة قد عرفت عند الأولين، فالذي خلق الذرة في عصرنا هو الذي خلقها في الأول، فالله هو الذي عنده أنواع التدمير والإهلاك لمن كفر وأشرك به جل جلاله، وعنده أنواع النعيم لمن آمن به واتقى.

قال تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ} [الصافات:١٣٧ - ١٣٨] والخطاب للعرب، حيث كانوا يمرون للتجارة في تلك الأوقات من الليل والنهار.

وهذه الديار مقصودة في الحج، فيأتيها المسلم مرة في العمر، ويستحب أن يحج مرة في كل خمس سنوات، فالأغلب من هؤلاء الحجاج أنهم يمرون على أرض الأردن، وكل من يمر من هناك إلى اليوم يرى هذه البحيرة الميتة التي لا حياة فيها، ولا هوام فيها، ولا يستفاد منها بشيء، والعرب كانت لهم رحلتان، فكانوا يمرون عليها صباحاً ومساءً، فيرون آثار هذا التدمير السابق، ولعل اليوم في عصرنا الحديث إذا أرادوا أن يحفروا حفريات ويبحثوا عن الآثار يجدون من آثار حضارة هؤلاء بعض أوانيهم وألبستهم وعظامهم النخرة، وبعض الأشياء التي كانوا يعيشون عليها.

وهنا يخاطبهم الله بما ترى أعينهم، فقال: ((وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ)) أي: على مكان هؤلاء القوم، وصدق ربنا جل جلاله {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الصافات:١٣٧ - ١٣٨].

والخطاب للمشركين، فهل لهم من عقل يفكرون به؟ وهل لهم من عقل يتدبرون به أن الذي أصابهم هو من خلقهم، ورفع السماوات، وبسط الأرض، وأنبت ما أنبت، فمن أتى بهذا الماء؟ من خلقني؟ من أحياني؟ من جعل لي حياة وروحاً أتحرك بها، لابد أن يشغلوا عقولهم ليفكروا ساعة أفلا يعقلون؟ ولو كانوا يعقلون لما أشركوا، ولذلك فالمشركون كلهم سواء حتى من ادعى العلم أو الفلسفة أو المعرفة، فماداموا مشركين بالله فهم كما وصفهم القرآن كالأنعام بل هم أضل، فالدواب نستفيد من بطونها ولحومها، ونستفيد من ظهورها، ونستفيد من بعضها شرباً وحليباً، وتحملنا إلى أقاصي الدنيا، أما هؤلاء المشركون الذين هم أضل لا فائدة من حياتهم، لا نستفيد منهم إلا الضرر، والجناية ونشر الكفر، فوجودهم في باطن الأرض خير من وجودهم في ظاهرها، ولا ينشأ عنهم إلا الضرر.