للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إلا من خطف الخطفة)]

{وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات:٧ - ١٠].

إلا من حاول أن يخطف خطفة وينصت إلى كلمة.

{فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات:١٠].

فيتبعه الله ويلحقه بهذا الشهاب الذي يسقط عليه فيحرقه وينفذ في بدنه من جانب إلى جانب فيهلك.

و (شهاب): قطعة من نار جزء من هذا الذي يقذف به من الأنجم، وهو نار محرقة تدخل في بدنه وتثقبه فتحرقه.

وبين ذلك عليه الصلاة والسلام وشرحه وفسره فقال -كما روى البخاري ومسلم في الصحيحين وأصحاب السنن- قال: (إن الشياطين)، أي: كفرة الجن يحاولون أن ينصتوا إلى الوحي الذي يوحى به إلى جند الله وملائكته، وكانوا قبل النبوة المحمدية، وقبل إرسال خاتم الأنبياء، يفعلون ذلك كثيراً.

ولكن عندما جاء الله بنبيه وجاء بدين الإسلام، حفظ سماءه منهم، فرماهم بهذه الشهب، فأحرقتهم وأبعدتهم، وقد كانت الكهانة منتشرة في بلاد العرب وبلاد العجم والدنيا، والكهانة: من التكهن، فهم يحاولون أن يستنبئوا الغيب ويحسبون أنهم يسمعون ما عند الملائكة من وحي، وما عندهم من أوامر الله، فيذهبون ينصتون.

وكانوا أحياناً يسقط أحدهم وهو يحترق فيلقي بكلمة، فيسمعها معه شياطين، فيزيد على الكلمة الواحدة التي يلقيها تسعة وتسعين كلمة أخرى، كلها كذب ودجل وشعوذة، فيذهب هذا الكاهن الذي يتلقى عن الشيطان وساوسه، ويتلقى عنه كفره، ويتلقى عنه زعمه الاطلاع على الغيب، فيذهب ويلقي مع هذه الكلمة تسعاً وتسعين، كلها كذب وبهتان لا حقيقة لها، يخترعها اختراعاً ليضل الخلق، وليكفر الخلق؛ لأنه عدو لله وعدو للإنسان.

ولقد حذر الله بني آدم من عداوته: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} [طه:١١٧] كما خاطب آدم عليه السلام، وهو عدو للمؤمنين، وعدو لكل الخلق، فيتكهنون ويفسدون، إلى أن تعبدهم بعض من أضلوه، وعبادتهم: طاعتهم، وعبادتهم بأن يبعدوهم عن التوحيد وعن الإيمان.

فيذهبون فيزيدون على الكلمة الواحدة تسعاً وتسعين كلمة، ولكن الله جل جلاله حفظ دينه عن هذا وحفظ وحي كتابه عن هذا، والكهنة من صدقهم بما يقولون لا تكاد تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما ورد عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وعلى آله، إن هي إلا كهانات وتنبؤات في الباطل لا حقيقة لها في واقع الأمر، ولا يصدق منها شيء؛ لأنها كذب وزعم للاطلاع على الغيب وهم لا يطلعون.