للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (يومئذ لا تنفع الشفاعة)]

قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه:١٠٩].

في يوم الحشر، ويوم العرض على الله، ويوم البعث من الموت إلى الحياة الخالدة في الجنة لأهل الجنة، والخالدة في النار لأهل النار، فإن هؤلاء لا يطمعون في أن يشفع لهم أحد إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً.

قال ابن عباس: هذا القول هو لا إله إلا الله، أي: لا يشفع إلا المؤمن، ولا يشفع إلا للمؤمن.

وأما من مات مشركاً فهو يائس من الجنة، ويائس من الرحمة، والله لا يغفر لمشرك كافر أبد الآباد.

فالمذنب إذا مات مؤمناً غير مشرك فإنه يطمع في رحمة ربه، وأما الكافر فلا يرحمه الله، ولا بد من عذابه خالداً مخلداً كخلود المؤمن في الجنة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].

وإذا كان المشرك لا غفران له إذاً فلا شفاعة له، وإذا كانت الشفاعة بإذن الله ولا يشفع أحد إلا بإذنه، فإن الله لا يأذن إلا لمن رضي قوله شافعاً ومشفعاً، بأن يكون الشفيع موحداً مؤمناً، وأن يموت المشفوع له أيضاً مؤمناً، وقد رضي الله قوله، وهو يعلم أن لا إله إلا الله.

والشفاعة لا تكون إلا من الأنبياء والصالحين، وهؤلاء أطوع لله من أن يكونوا فضوليين في الشفاعة بلا إذن.

وليست الساعة ساعة معصية، وهم في الدنيا كانوا مطيعين فكيف يعصون يوم القيامة ويشفعون بلا إذن.

{يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ} [طه:١٠٩]، فلا تنفع الشفاعة مجرماً، ولا تنفع عاصياً إلا لمن أذن الله له أن يشفع بخصوص هذا المشفوع فيه، ووصْف ذلك وعلامته وبيانه أن يرضى الله قول الشافع الذي سيشفع بعد إذن الله، وقول المشفع فيه الذي ستنفعه الشفاعة.