للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل)]

قال الله جلت قدرته: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} [الفرقان:٤٥ - ٤٦].

بقيت آية في الأمس لم يذكرها المعيد ولم تفسر، وهي قوله تعالى: {وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} [الفرقان:٣٩].

فهؤلاء الجاحدون الكافرون والمنافقون الضالون قد ضرب الله لهم أمثالاً وحججاً وبراهين وأدلة تدحض شبههم وأباطيلهم وضلالاتهم، فمن أصر منهم على الكفر والشرك والنفاق والخلاف فقد تبّرهم الله تتبيراً، والتتبير: التدمير والتخريب، فكلهم دمرهم الله وقضى عليهم بالغرق، أو بالصيحة، أو بالزلزلة، أو بجعل الأرض عاليها سافلها، فكلهم قد دُمّر وتُبّر؛ لما في ذلك من صلاح للناس، وعقوبة لأمثال هؤلاء العصاة.

يقول تعالى يخاطب نبيه عليه الصلاة والسلام -وهو خطاب لكل الناس-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} [الفرقان:٤٥] الرؤية هنا تفسّر برؤية البصر ورؤية العلم والبصيرة، أي: ألم تر -يا رسولنا- بعلمك وبصيرتك وفهمك وإدراكك هذا الظل كيف مده الله! ومن يقدر عليه غير الله؟! فالظل هو ما يكون عادة من طلوع الفجر إلى شروق الشمس، ففي هذا الوقت يكون الظل ممدوداً على الأرض، وهو أحسن ما يكون وقتاً وزماناً، وأكثر ما يكون راحة للمرضى وللنائم بعد النوم حين يصبح الإنسان مع هذا الظل الممدود الذي لا شمس معه ولا شعاع ولا ما يؤذي، حتى إذا أشرقت الشمس أخذ الظل يزول شيئاً فشيئاً إلى أن تُصبح الشمس قد قضت على الظل، وقد وصف الله الجنة بأنها ظل ممدود {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة:٣٠] أي: لا شمس فيها ولا ما يؤذي النظر والبدن، وإنما حالها كحال هذا الوقت منذ طلوع الفجر إلى شروق الشمس، فهو ظل ممدود متصل، فالظل في هذا الوقت أشبه ما يكون بظلال الجنة.

يقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} [الفرقان:٤٥].

أي: لو شاء ربك -يا محمد- لجعل هذا الظل دائماً، فلا تكون شمس ولا شعاع، ويكون الجو في الدنيا أشبه بجو الجنة، ولكن الشمس فيها مصلحة للأحياء، ومصلحة للنبات، ومصلحة للمياه والبحار، وكل شيء مما خلق الله له فيها منفعة ينتفع بها الخلق.

قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} [الفرقان:٤٥] أي: جعلنا الشمس دليلاً على الظل الذي كان قبله، ولو لم تكن شمس لما انتبهنا للظل، ولما وصفناه بالظل، ولظننا أن الجو والوقت والزمن كذلك باستمرار، وقديماً قيل: (وبضدها تتميز الأشياء)، فعرف الظل بشروق الشمس، وعُرفت الشمس بالظل قبلها.