للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم)]

قال تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر:٢٣] أي: تضطرب وتتغير وتصفر فيضطرب المؤمن خشية من الله وحينما يسمع القرآن تجده مضطرباً خوفاً من النار ورجاء الجنة، طمعاً في رحمة الله وخوفاً من عقابه وغضبه، وإذا سمع القرآن يكون على غاية من الاطمئنان والحضور الذهني بجميع حواسه ليسمع ما يلقى إليه.

قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف:٢٠٤] وذاك شأن المؤمن.

سمع عبد الله بن عمر عن إنسان من التابعين كان إذا سمع القرآن غشي عليه فقال: ليس هذا من الله ولكنه من الشيطان، لم يكن كذلك أصحاب محمد، كانوا يسمعون القرآن ويخشعون له وتدمع أعينهم ولكننا لا نغيب ولا يغمى علينا، بل نكون على غاية من الحضور ذهناً وإنصاتاً وسماعاً.

وقالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن خشعوا ودمعت عيونهم، فقيل لها: إن هناك ناساً يغمى عليهم، قالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

أي: لم يكن هذا في عهد الصحابة وهم أكثر تقوى ومعرفة بالله منكم.

قيل لـ عمر بن عبد العزيز: هناك إنسان إذا سمع القرآن أخذ يصيح؟ قال: بيننا وبين هذا أن نختبره، فنجعله على سور ونقرأ عليه القرآن، فإن اضطرب ووقع صدقناه، وإذا لم يضطرب ولم يقع كذبناه فهو شيء يصطنعه.

وكثير من الناس في بعض الأقطار العربية والإسلامية عندما يسمع القرآن يتلى تجده يضطرب ويتصايح ويغشى عليه، وليست الآيات تدعو إلى التقوى ولا إلى الطاعة والامتثال، فقد تجده يصيح من آيات كثيرة وهو لا يعي ولا يفهم معانيها.

وعندما تسأله: لماذا تبكي؟ يقول: أعجبتني هذه السورة، فهو لا يستمع لكتاب الله وما فيه من معان، وإنما للتغني به فقط، فهو لا يقرؤه مجوداً مرتلاً ولكن يقرؤه متغنياً به.

وقد قال علماؤنا في سابق الزمان عن القرآن: المغاربة حفظوه، وأهل الشام جودوه، والمصريون تغنوا به؛ ولذلك من الأدب مع القرآن أننا إذا سمعنا من يقرؤه ويتلوه أن نكون على غاية من الأدب والإنصات والسكون، والصياح والهيجان يخالف الإنصات ويلهي الحاضرين، ومثل هذا لم يفعله السلف الصالح.

جاء في الحديث عن العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إذا خشع القارئ واطمأنت أعضاؤه وهو يتلو كتاب الله تلك ساعة دعوة مستجابة فليدع الله، فقمن إذا دعا الله أن يستجاب له).

قال تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ} [الزمر:٢٣] هذه القشعريرة إذا حصلت عند تلاوة القرآن، وعند سماع ذكر الله، عند التفكر في خلق الله وفي قدرته ووحدانيته فهي حالة ربانية للمؤمن الصادق فقد قالوا: في تلك الساعة إذا دعا الله بأي اسم من أسماء الله الحسنى استجاب الله له.

فقوله: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر:٢٣] الجلود: جمع جلد، أي: يقشعر جلد الإنسان حتى ترى صفرة وجهه، واهتزاز بدنه واضطراب حواسه.