للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني)]

قال تعالى: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا} [الفرقان:٢٩].

يقول هذا الكافر: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا} [الفرقان:٢٩]، وأين كان يوم كان يكذب النبي ويسخر به ويقول: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ ويقول: لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا، فأين كان عقله وفهمه ووعيه؟ فالآن أخذ يبكي ويتحسر ويأكل يديه تحسراً وندماً ويقول: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ} [الفرقان:٢٩] أي: يقول عن خليله هذا: إنه أضله ولم يهده وأضاعه عن الطريق السوي الذي دعاه إليه سيد البشر وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وترك الطريق السوي المستقيم وخرج عنه إلى طرق الضلال، وترك القيادة المحمدية إلى قيادة الشيطان، وترك قيادة الخلفاء الراشدين إلى قيادة ماركس ولينين، وغيرهما من الأسماء القذرة الوسخة، وترك الحق والنور إلى الباطل والظلمة، وأخذ يبكي الآن ويتحسر بعد أن فاته الوقت.

{لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} [الفرقان:٢٩] أي: عن ذكر ربه وتوحيده ودينه ونبيه، وكل ذلك ذكر، فهو قد ضل عن معرفة الله والإيمان به، وعن الإيمان بكتاب الله وأنه كلام الله وقوله وكذب به، وعن كون محمد خاتم الأنبياء وسيد الرسل والخليقة، فهو الآن يتحسر ويبكي ويأكل يديه ندماً، وبدلاً من أن يرى محمداً صباحاً ومساءً، ويجالسه صباحاً ومساءً فإنه لعمى قلبه وضلال فكره ولظلمة التي أحاطت به ضاع عن النور المشرق من النبي صلى الله عليه وسلم الذي أشرق على كل البشر منذ قام في هذه البقاع المقدسة، ودعا الناس جميعاً وقال لهم: إني رسول الله إليكم جميعاً، وبقي هذا الإشراق للكل إلا عليه؛ بسبب عمى بصره.

ثم قال تعالى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا} [الفرقان:٢٩]، والشيطان شيطان الإنس وشيطان الجن، فالآن انقلب على خليله فأصبح يسميه الشيطان، ويقول: إن الشيطان قد خذله، أي: لم يؤازره ويؤيده ويساعده في ما سمع من القرآن من نبي الله صلى الله عليه وسلم، وفي الهداية من نبي الله صلى الله عليه وسلم، وفي النور الذي سمعه من الخلفاء الراشدين والصحابة الأكرمين، ومن جاء بعدهم من العلماء الوارثين لدين الله والداعين إليه.

يقال: فلان خذل فلاناً، أي: لم ينصره ويؤيده ويساعده، فقد ضاع عن الحق وخذل عنه ولم ينصر ويؤيد، هكذا يقول الآن عن هذا الشيطان؛ شيطانه الإنسي قبل أن يكون شيطان الجن.