للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ميزان الحق الاتباع وليس الأكثرية]

قال تعالى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ} [يس:٣٠]، أي: لا يأتيهم رسول {إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الحجر:١١]، أي: يسخرون ويكفرون ويجحدون ولا يهزأ بنبي إلا كافر، فيستهزئون معناها: أنهم أشركوا بالله وكفروا برسل الله، وهذا كفر بالله.

أو ما جاءهم رسول من الله إلا استهزءوا به، وهكذا كل الأنبياء.

ولذلك يقول ربنا لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:١١٦].

فأكثر أهل الأرض مشركون كافرون، ومن هنا علمنا أن نظام الأكثرية والأقلية في البرلمانات نظام يهودي، فهم يأتون إلى الأكثرية الجاهلية الظالمة الحمقى التي لا عقل لها، ويشترونها تارة بالمال وتارة بالنفود والسلطان وشهوات الدنيا ونزواتها؛ ليكونوا في صفهم وعلى رأيهم، والحق واحد لا يتعدد، ولو كان القائم به واحداً، ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام له أحكامه بين الخليقة كلها، وكان هو الجماعة، وهو الحق، ثم آمن به امرأة ورجل، وإلى بعد تسع سنوات لم يؤمن به أكثر من أربعين شخصاً، وكانت هذه القلة المؤمنة هي الحق، وهي الجماعة المأمورون نحن باتباعها.

فليس الحق بكثرة العدد ولا بكثرة الأصوات، ولكن الحق بالدليل والبرهان من الله، وأما هذه الندوات المزيفة والبرلمانات الكاذبة فهي نظم يهودية في أكثرها، يجتمع فيها الغث والجاهل والمأجور، ويقال لهم: ماذا ترون أنعود لشريعة الله فنحكم القرآن والسنة النبوية؟ فتقول الأكثرية: لا.

فيلغون الحكم بهما، وهذا شرع، فالمجلس التشريعي شرع أن القرآن والسنة لم يعودا صالحين للحكم، والله قد قال عن الهادين الصالحين: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة:١٣ - ١٤].

فليس الحق إلا مع من معه نص من قول الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الكثرة فهي على الضلال.

وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (إن أمتي بين الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود).

فهي قلة قليلة، ومع ذلك فأكثر سكان الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأمم السابقة كانت أديانهم قومية، ورسالات أنبيائهم قومية، فكان الأتباع قلة.

أما نبينا عليه الصلاة والسلام فكان رسول الكل، ونبي الخلائق من مشارق الأرض ومغاربها، أبيضها وأسودها، من عاصره ومن أتى بعده وإلى يوم القيامة، فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم، فكانت أمته أكثر الأمم، وكان المؤمنون به أكثر من المؤمنين بغيره من الأنبياء من آدم فمن بعده إلى آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى عليه السلام.

وهكذا أمرنا صلى الله عليه وسلم أن ندور مع الحق حيث دار، لا مع الكثرة، فالكثرة في أغلب الأحيان تكون على الباطل والضلال، كما قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:١١٦].