للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة)]

قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:٤١].

هؤلاء هم الذين ينصرون الله، لا كل مدع للإسلام وهو على فراشه يتمرغ في رفاهيته مع نسائه ومطاعمه، ويقول: هذا الذي علي، وليطف الطوفان على كل المسلمين مادمت أنا مسلماً، فهو قد أدى الواجب عليه، هكذا يزعم.

وعرض الله بهؤلاء الذين ينصرونه أنهم هم الذين إن مكنهم في الأرض أقاموا الصلاة، فقوله: (مكناهم في الأرض) أي: نصرناهم، وجعلنا لهم دولاً مستقلة يحكمونها بالأمر والنهي، والقتل والإحياء بإذن الله، فهؤلاء المسلمون الذين إذا مكنهم الله في الأرض حكاماً أو علماء أو أمماً وشعوباً إسلاميه يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر.

فهم إذا تمكنوا حكموا بإقامة الصلاة وإعلانها، وتشييد مساجدها، ونشر دينه وتعليمه: من رياض الأطفال، إلى الجامعات، إلى التخصص، فهؤلاء الذين إذا مكنوا في الأرض دولاً وملوكاً وحكاماً ورؤساء يؤتون الزكاة ويأمرون رعاياهم بأدائها، هؤلاء الممكنون في الأرض يأمرون بالمعروف كما عرفه الله في كتابه ورسوله في سنته، وينكرون المنكر كما أنكره الله في كتابه وأنكره رسوله في سنته، هؤلاء الذين إن فعلو ذلك كانوا قد نصروا الله حقاً بأن نصروا دينه ونصروا نبيه ونصروا كتابه.

فهؤلاء الذين أقسم الله لهم وعليهم بأنهم إن فعلو ذلك لينصرنهم على أعداء الأرض كلها مشارقها ومغاربها، يهوداً ونصارى، ملاحدة وكفاراً ومنافقين، في داخل المجتمع الإسلامي وخارجه، العدو المكشوف الذي نعلمه جميعاً، والعدو الخفي المنافق الذي لا يكاد يعرف إلا بفلتات لسانه وفلتات قلمه، ونظراته الشزراء في عينيه للمؤمنين وشعائرهم ومناسكهم.

وهنا نتساءل ويسأل الكثيرون: لماذا لم ينصر الله المسلمين؟ ولماذا سلط عليهم اليهود وهم أحقر الأمم والشعوب وأذلهم؟ فقد سجل الله عليهم أبد الآباد اللعنة والخزي إلى يوم القيامة، وجعلهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف:١٦٧]، وكلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:١٤].

فهل نحن حقاً مسلمون؟ وهل دولنا ومجتمعاتنا حكموا القرآن، وحكموا السنة، وجعلوا أحكامها مطبقة في مكاسبهم وأحكامهم وإداراتهم؟ أصحيح أنهم دعوا إلى الصلاة في أنفسهم، وأمروا الناس بها؟ أصحيح أنهم نشروا الإسلام تعليماً من رياض الأطفال إلى التخرج من الجامعات وإلى ما هو أعلى من الجامعات؛ إلى التخصص العلمي في كل فن من الفنون؟ هذا العالم الإسلامي بين أنظارنا وأسماعنا قد تركوا كتاب الله لتحكيم قوانين الكفر يهوداً ونصارى، وأخرجوا المرأة عارية في الشوارع لا حياء ولا خجل ولا دين ولا مروءة؟ ألم يحكموا حضارة الكفر من فسق ودعارة وسعي وراء الشيطان في كل ما يعمل؟ ألم يتبعوا اليهود والنصارى في كل ما يعجبهم ويسرهم ويقر أعينهم؟ وكلنا نعلم أنهم لم ينصروا الإسلام، ولم يقاتلوا من أجل ذلك، إلا من رحم ربك وقليل ما هم.

لتبقى حكمة الله البالغة: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم وهم على ذلك إلى قيام الساعة).

إذاً: كيف نطلب نحن المسلمين نصرة الله، ونقول قد قال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:٤٧]؟ هل نحن مؤمنون حقاً؟ هل نشرنا دين الله حقاً؟ هل دافعنا عن دين الله حقاً؟ إذاً: فالله قال ذلك واشترط، والشرط الذي اشترطه أنه إذا مكن لنا في الأرض وحكمنا أمماً وشعوباً أن نحكم بدينه.

قوله: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:٤١].

لله عاقبتا، وإليه معادنا، وستكون حياة بعد هذه الحياة الدنيوية الفانية سنعرض على ربنا للحساب، فمن قام وفعل ما أمر الله به فإلى رحمة الله وجنته، ومن قصر وزعم الإسلام ولم ينصر دينه، ولم يقاتل عن المسلمين ولم يأمر بمعروف ولم ينه عن منكر، ولم يقم صلاته، ولم يؤد زكاته، هؤلاء سيكون حسابهم على الله عسيراً، فإن سلموا بالشهادة وماتوا عليها يرج لهم العفو والخروج من النار، وإن ماتوا على الكفر والشرك فخلود في عذاب الله، قال جل جلاله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:٤٥]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:٤٧]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤].

لقد حكم الله على من أضاع حكمه وأحكامه في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه ظالم وفاسق وكافر في حكمه، ومع ذلك يزعم ديناً وإسلاماً، وإن رفع سيفاً زعم أنه رفعه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلله عاقبتنا ومعادنا وحسابنا، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، إما إلى جنة وإما إلى نار.