للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رد المظالم إلى أهلها في عهد عمر بن عبد العزيز]

إن أول من أقام هذه الإدارات بهذا النوع هو عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس، فقد جاء بين عهدين ظالمين، وخليفتين ظالمين، فوجد الفساد قد انتشر في البر والبحر والسهول والجبال، ففتح دائرة وأسماها دائرة رد المظالم، وابتدأ بزوجته وهي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان الخليفة بن الخليفة، فقال لها: يا فاطمة! كل ما تملكين من حلي وأرض وعقار قد أخذه أبوكِ وجدكِ من المسلمين من غير حق، وأنا سآخذه منكِ قهراً وأُعيده إلى بيت المال، فإن كان ذلك برضاكِ فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة، وإن لم يكن فالمال سأعيده لأصحابه من المسلمين، وبعد ذلك لن تكوني لي زوجة لا في الدنيا ولا في الآخرة، وبعد ذلك سنّها بنفسه فأزال عنه كل ما كان يسمى ملكاً للدولة وأعاده إلى بيت المال؛ وهكذا تسلل إلى أولاد عمه وإلى أُسرته الحاكمة فنزع عنهم كل ما كان لهم، ثم الأمثل فالأمثل، وفي سنتين أعاد سنة الخلفاء الراشدين التي هي سنة محمد صلى الله عليه وسلم في المال وتملكه، ولكن بني عمه وأُسرته الحاكمة لم تتحمل ذلك فغدروا به وسمموه وقتلوه بالسم.

وهكذا سيبقى إلى أبد الآباد أن كل مال أُخذ بغير حق لا يُعترف بملكيته يجب أن يعود لأصحابه، فإن عُلم أصحابه رد إليهم، وإن لم يُعلم فإنه يعود إلى بيت المال، ولا يسمى تأميناً كما يقول لصوص اليوم الذين يسمون أنفسهم الاشتراكيين والشيوعيين، فيذهبون إلى أخذ مال الناس ظلماً وباطلاً لتوزيعه في أباطيلهم وأضاليلهم وحرب الإسلام والمسلمين، ولكن نسميه مظلمة، فيجب أن تزول ويعود الحق لأصحابه مهما طال الزمن، ولا نقول بالقانون الباطل أنه إذا مضى على الحق عشرون سنة فإنه يسقط طلب حقه، بل ما ضاع حق وراءه مطالب، وهكذا يقول الله عن هذا المال: ((وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ))، فالمال في أيدينا عارية لله، فاليوم هو بيدنا وبالأمس كان بيد غيرنا، وبعد فترة هو في يد آخرين.