للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (له ما في السموات وما في الأرض)]

قال تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [طه:٦].

الله جل جلاله الذي وصف ذاته العلية بأنه على العرش استوى ذكر أن له السموات السبع والأرضين السبع، وما بين السموات والأرضين، وما بين كل سماء وسماء، وما بين كل أرض وأرض، {وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [طه:٦].

يقول صلى الله عليه وسلم عن السموات: (ما بين كل سماء وسماء خمسمائة عام) ولم يحدد لنا هل هي من تقدير سنوات الأرض، أو مما قال الله عنه في كتابه: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:٤٧]، أو كخمسين ألف سنة كما في مقدار العروج إليه، وبما أنه لم يفصل فإننا نمر ذلك كما ورد ونقول: الخمسمائة عام يحتمل أن تكون خمسمائة ألف عام، ويحتمل أن يكون اليوم بخمسين ألف سنة.

وما بين سمك بداية السماء ونهايتها خمسمائة عام كذلك، والأرض التي نراها وما تحتها، وما نراه من المجرات والنجوم التي لا حصر لها هي ما بين السماء والأرض، فهي خلق الله، وتحت أمر الله وجلال الله.

والثرى: التراب الندي، كالتراب الذي يصيبه طل وندى، وبهذا المعنى ورد في مسند أبي يعلى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قفل من غزوة تبوك، وكان الوقت وقت حرارة شديدة، ففرق الناس وحداناً وجماعات، يقول جابر بن عبد الله: (كنت مع فرقة بين ثلاثة وأربعة، وإذا برجل يمر علينا ويقول: أفيكم محمد؟ قال: فيذهب رفاقي وأبقى أنا واقفاً، وأقول له: هو ذاك محمد الراكب الجمل الأحمر، فوقف ينتظر، فجاء صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، وهو على جمله الأحمر، مقنع بثوبه من حرارة الشمس، فتقدم هذا الرجل السائل عنه وقال له: أأنت محمد؟ قال: نعم.

أنا محمد، وما تريد؟ قال: أريد أن أسألك أسئلة تجيبني عنها؟ قال: سل عما بدا لك.

فأخذ يسأل: أينام الأنبياء؟ قال: تنام عيونهم ولا تنام قلوبهم.

قال: مم يكون الشبه في الأولاد بين الآباء والأمهات؟ قال: للرجل ماء أبيض غليظ، وللمرأة ماء رقيق أصفر، متى امتزج الماءان وغلب أحدهما على الآخر كان الشبه.

قال: ما للولد من الأب وما له من الأم؟ قال: له من الأب العظام والعصب والعروق، وله من الأم اللحم والدم والشعور.

ثم قال له: ما هذه الأرض وما الذي تحتها؟ قال: خلق من خلق الله.

قال: وماذا تحتهم؟ قال: أرض.

قال: وما تحت الأرض؟ قال: الظلمة.

قال: وما تحت الظلمة؟ قال: ماء.

قال: وما تحت الماء؟ قال: الثرى.

قال: وما تحت الثرى؟ ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم دمعاً وقال: هنا انقطعت علوم الخلائق إلى علم الخالق، وما المسئول أعلم من السائل، وإذا به لم ير، فقال للحاضرين صلى الله عليه وسلم: ذلك جبريل).

هذا الحديث استغربه ابن كثير، واستغربه يحيى بن معين وقالا: إن فيه علة لأنه من رواية القاسم بن عبد الرحمن وقد تفرد به، ولا يحتمل تفرده بمثل هذه الأحاديث؛ ولكنه على أي حال أقرب لتفسير الثرى المذكور في الآية، ومجموع الآثار الواردة في ذلك من أحاديث وإسرائيليات فيها ما يشبه هذا المعنى، وأن بعد الثرى ثور، وبعد الثور نوناً، والنون كذا كذا في عظمه.

أما هذا الحديث فمتصل السند معروف الرجال، وكون القاسم لم يحتمل لكنه يستأنس به في تفسير الثرى من الآية، ولا يغير لنا حكماً، ولا يغير لنا قاعدة في علم التوحيد وتفسير كتاب الله.