للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة)]

وقوله: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب:١٣].

هؤلاء جماعة ضعيفة قلوبهم، مزعزعة نفوسهم، ولكنهم ليسوا من المنافقين، استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم بترك المعركة، بعد أن اشتد بهم الحال لمدة شهر كامل، وبلغت القلوب الحناجر، وزاغت الأبصار، فزعموا ما ليس بصحيح، زعموا أن بيوتهم عورة مكشوفة للعدو وللسراق وللمهاجمين، فهم يريدون حماية أولادهم وأموالهم، ولكن الله كذبهم وقال: (وما هي بعورة) أي: ليست مكشوفة، وليست عرضة للعدو وللسارق وللغازي، فإن بين الغزاة الكفار والمجاهدين المؤمنين في المعسكر النبوي الإسلامي خندقاً، ولا يكاد يريد واحد من جيش العدو تجاوزاً إلا تعرض للقتل أو السقوط في الخندق فيهلك.

إذاً: رد الله عليهم وكذبهم بقوله: (وما هي بعورة) أي: ليست بمكشوفة ولا مفتوحة، ويقال: عورة، أي: لا يليق أن يكون على مرأى من الناس.

ومن هنا سمي القبل والدبر من الرجل والمرأة عورة، وسمي ما تريد أن تكتمه عورة، وسميت الدور والأمكنة المفتوحة والمكشوفة للعدو عورة.

وهكذا كان تعبير القرآن الكريم عن الدور في زعم هؤلاء.

فقوله: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب:١٣].

كشف الله مقاصدهم، وأظهر أن بيوتهم ليست بعورة حتى عند أنفسهم، وهم لم يقولوا الصدق، أو قالوا ما أوحى لهم به الهلع والرعب الذي به زاغت أبصارهم وبلغت قلوبهم الحناجر، وابتلوا وزلزلوا زلزالاً شديداً، حتى ظنوا بالله الظنون، رعباً وهلعاً، فأخذوا يستأذنون النبي عليه الصلاة والسلام في ترك المعركة، معتذرين بأن بيوتهم مكشوفة للعدو، فكذبهم الله وقال: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} [الأحزاب:١٣]، ثم كشف مقصدهم وقال: {إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب:١٣]، أي: يريدون الفرار من الزحف ومن المعركة، والفرار من المعركة كبيرة من الكبائر يستحق الفار به القتل.

فهذا خالد بن الوليد القائد لمعارك الشام والعراق قبل أبي عبيدة عامر بن الجراح سلم نساء المجاهدين سيوفاً وعمداً وأخشاباً وقال لهن: إذا رأيتن أحداً ترك المعركة ويريد الفرار فاقتلنه.

وكم قتل نساء المسلمين من هؤلاء الذين فروا من المعركة، وكان الخليفة الأول أبو بكر رضي الله عنه هو القائد الأعلى للمعركة، وهو الخليفة المحمدي النبوي، ولم يستنكر على خالد أمره النساء بقتل الفارين من المعركة، بل ولا عمر الذي كان شديداً على خالد حتى عزله وولى مكانه أبا عبيدة عامر بن الجراح؛ لكنه لم يقل فيما قال عن خالد: إنه قتل أناساً لا يستحقون القتل من هؤلاء الفرارين.

وفي معركة أحد فعل هذا نساء المقاتلين من كفار مكة في جيش أبي سفيان وهو قائد الكفر إذ ذاك، فقد أوقف النساء خلف جنده وذلك عندما رأى البعض يفرون، وكانت المعركة في أوائلها في صالح المسلمين، إلى أن خالف الرماة أمر النبي عليه الصلاة والسلام وتركوا التلال والجبال التي هم عليها، فتركوها فكان ما كان من تمحيص المسلمين، فكان نساء قريش خلف مقاتليهن ومحاربيهن وهن يقلن: نحن بنات طارق نمشي على النمارق إن تقبلوا نعانق أو تدبروا نفارق فراق غير وامق وبنات طارق هن بنات النجم، أي: لسنا من سكان الأرض، بل نحن أعلى شأناً، كما هو حال الكفار في كل عصر، فهم يمشون على السجاد؛ لأنهم أغنياء رأسماليين مترفين.

فقولهن: إن تقبلوا نعانق.

يرغبن أزواجهن في القتال وعدم الرجوع والفرار.

وقولهن: أو تدبروا نفارق.

أي: إن تحاولوا الفرار والإدبار نفارقكم ونهجركم ونخالعكم.

وقولهن: فراق غير وامق.

أي: فراق غير محب، فالفراق طلاق الخلع، وليس فراق الدلال والدلع.