للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نسبة سورة الكهف وفضلها وسبب نزولها]

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلوات الله وسلامه وبركاته على سيدنا محمد سيد العرب والعجم، وعلى آله الأطهار، وصحابته الأبرار، أما بعد: فيقول الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} [الكهف:١ - ٣].

سورة الكهف سورة مكية، فيها مائة آية وعشر آيات، وقد نزلت على نبينا صلوات الله وسلامه عليه بمكة المكرمة.

وقد ورد في تلاوتها وقراءتها يوم الجمعة أجر وثواب، وورد أن من قرأ عشر آيات من أولها، وعشر آياتها من آخرها، لا يضره الدجال، وورد أن قراءتها تنزل معها السكينة من السماء.

وورد أن من قرأها يوم الجمعة حفظ من الدجال، ويؤجر ويثاب بتكفير سيئاته من الجمعة إلى الجمعة.

وسبب نزول هذه السورة أن كفار مكة أرسلوا إلى علماء يهود في المدينة فقالوا لهم: أنتم أهل كتاب، ومحمد يزعم أنه أوحي إليه بكتاب، فأخبرونا عنه، فقال لهم اليهود: اسألوه عن ثلاث، فإن هو أجابكم عنها فهو نبي، وإن لم يجبكم فهو متقول، اسألوه عن فتية ذهبوا في الزمن الأول، واسألوه عن رجل طاف المشارق والمغارب، واسألوه عن الروح.

فعادوا فاجتمعوا بالنبي عليه الصلاة السلام فقالوا: يا محمد! إنا سائلون أسئلة إن أنت أحسنت الجواب عنها علمنا أنك نبي، وإن لم تجب فأنت متقول، ما قصة فتية ذهبوا في الزمن الأول؟ وأخبرنا عن رجل طاف المشارق والمغارب؟ وما الروح؟ فقال لهم: غداً أجيبكم.

وإذا بالغد يأتي، ثم يأتي اليوم الثاني والثالث إلى أن مضى خمسة عشر يوماً، ولم يأته الوحي بجواب هؤلاء، فانزعج صلى الله عليه وسلم جداً، وأخذ الكفار يقولون: ها نحن سألنا محمداً فافتضح عندنا ولم يحسن الجواب.

وفي اليوم الخامس عشر جاءه جبريل بالوحي، وعاتبه ربه في قوله: أجيبكم غداً، ولم يقل: إن شاء الله، وكان قد نسيها صلى الله عليه وسلم، وذاك قوله تعالى في السورة: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:٢٣ - ٢٤].

ثم تداركه الله بلطفه ورحمته فأوحى إليه بالجواب عن الفتية وعن الرجل الطواف، وأخبره بجواب سؤالهم عن الروح في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:٨٥].

فكان الجواب عن الروح أنه لا جواب، وأن علم الروح من أمر الله تعالى؛ لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وجاء الجواب في سورة الكهف عن الفتية الذين ذهبوا في الدهر الغابر، وعن قصة الرجل الذي طاف الآفاق.