للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى قوله تعالى: (ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيراً)

قال تعالى: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} [الفرقان:٤٩].

يسقي الله بهذا الماء من خلقه أنعاماً كثيرين وأناساً كثيرين، والأناسي: جمع إنسان وإنسي، وهو كالناس، فالله تعالى يسقي بهذا الماء من لا يستطيع أن يعيش بلا ماء من الأنعام الكثيرة التي خلقها الله على كثرة أنواعها وكثرة أشكالها، وكذلك الإنسان، فالإنسان في الأرض منذ خلق آدم إلى يوم النفخ في الصور لولا هذا الماء لمات، وقد يصبر الإنسان على الطعام أياماً، ولا يصبر على العطش إن اشتد، فإذا جفّ الحلق وقف الريق، وانقطع النفس ومات، ولذلك نجد بعض الأعراب والبدو يحرصون في رمضان على الصيام، وهم يزرعون أو يحرثون، وهم يسكنون في الصحاري، فتقول للواحد منهم: أنت الآن في عمل مهدد به بالموت، فأفطر إن كان لا غنى لك عن هذا العمل في شهر رمضان، فيصر على أن يصوم، وإذا به يعطش ويشتد عطشه عند الظهيرة، فلا يكاد يصله الماء حتى يموت.

وقد حدث هذا كثيراً؛ لأن الإنسان لا يصبر على الماء ويصبر على الجوع؛ لأن البدن فيه شحم، فهذا الشحم عند الجوع ينقلب إلى غذاء داخلي يتغذى به الإنسان، ولذلك إذا جاع يضعف ويهزل، فهذا الهزال والضعف يكون نتيجة ذوبان الشحم الذي فيه، فهو سيغذيه في تلك الأيام.

وأما الماء إذا نفد وجفّ حلقه ودمه فذلك الموت المحقق، ولذلك نحتاج في العطش إلى الماء الكثير، فنشرب صباحاً وظهراً ومساءاً، وعندما يكون الصوم في الأيام الحارة يشتد ويصعب، ولكن المؤمن يرتب حاله، فيتم صومه بإذن الله.

يقول تعالى: {وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا} [الفرقان:٤٩] أي: من خلق الله، و (من) هذه ليست التبعيضية، يعني: لكل خلقه.

وقوله: {أَنْعَامًا} [الفرقان:٤٩] جمع نعم، والنعم جمع لا مفرد له، ويصدق على البقر وعلى الغنم وعلى بقية المخلوقات من الحيوانات مطلقاً.

يقول تعالى: {وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} [الفرقان:٤٩] فهذا الماء يحتاج إليه كل حي، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:٣٠]، والأرض لا تنبت إلا به.

فمن الذي أكرم الإنسان بكل ذلك؟! إنه الله جل جلاله، ومع هذه النعم المستفيضة المتتابعة في كل حياتنا تجد الكافر يكفر بالله ويصر على الكفر، فلا يشكر الله على نعمة، ولا يؤمن بربه، ولذا كان الكفرة كالأنعام، بل هم أضل كما وصفهم الله جل جلاله.