للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم)

قال تعالى: {فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الدخان:٥٧].

يكون ذلك فضلاً من الله وكرماً لا لعمل عملوه، فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المؤمن لا يدخل الجنة بعمله، فقيل له: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) فالله قد تفضل على المؤمن قبل أن يخرج إلى هذا العالم، فكتب في اللوح المحفوظ أنه سعيد.

فدخول الجنة فضل من الله وكرم منه لا لعمل عملوه، على أن العمل نفسه تفضّل الله به على الإنسان، فعمل صالحاً فجازاه على هذا الصالح، وقديماً قال الحكماء في الرقائق والآداب: إذا أراد أن يُظهر فضله عليك خلق ونسب إليك! قال تعالى: {فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الدخان:٥٧] وذلك الفوز بوقاية الله لساكني الجنة من العذاب، وحفظه لهم من الجحيم، وإكرامه لهم بخيرات الجنة مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وذلك كله فضل من الله وكرم من الله، لا لعمل عملوه.

على أن العمل نفسه - كما قلت - فضل الله تعالى وتوفيق، فالكل فضل منه وإليه، وكون النبي يقول عليه الصلاة والسلام: (ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل)، هو ما قال الله له: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:١١٣].

فالله أعلم حيث يجعل رسالاته، وهو الذي اختار العبد قبل خروجه إلى هذا الوجود للرسالة، واختاره للجنة، واختاره للصلاح، وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد) أي: تفضل الله على نبينا بالرسالة وبالنبوة وآدم لم تزرع فيه الروح بعد، ولم يصبح بشراً سوياً بعد، فكان ذلك من فضل الله، لا بعمل عمله.

وقال: (إني لرسول الله وآدم بين الماء والطين).

وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورؤيا أمي، رأت عندما ولدتني نوراً يخرج منها أضاءت له قصور الشام) وهو حديث صحيح مخرّج عن جماعة من الصحابة وفي أمهات السنة.

وقد كان عليه الصلاة والسلام مقدرة رسالته، ومقدرة نبوته، ومقدرة أفضليته على الخلق قبل أن يخرج إلى هذا الوجود، فاستجاب الله لدعوة أبيه إبراهيم، وبشّر به عيسى، ورأت أمه عندما ولدت نوراً يخرج منها يضيء له قصور الشام، وذلك لا بعمل، ولكن كان فضلاً من الله وكرماً.

يقول تعالى: {فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الدخان:٥٧] فذلك الفضل يكون بفوز المؤمن بالابتعاد عن النار وبدخول الجنة ذلك، وهو الفوز الذي ليس بعده فوز، وهو أعظم فوز في الوجود، أي: أن يكون الإنسان قد أُنقذ من النار وأدخل الجنة.