للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً)

أما من آمن فقد قال الله فيه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف:٣٠].

أي: إن الذين آمنوا بالله رباً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوة، ثم أتبع الإيمان بعمل الصالحات، فالإيمان عقد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، وهذه الجوارح بها نصلي، وبها نصوم، وبها نزكي، وبها نحج، وهذه هي الصالحات.

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الكهف:٣٠] أي: آمنوا بالله قولاً وجناناً، ويعملون بمقتضى الإيمان، فيصلون الصلوات الخمس، ويصومون شهر رمضان، ويؤدون زكاة مالهم، ويحجون بيت الله الحرام مرة في العمر، ويتركون السيئة البتة، ويعملون من الصالحات ما في قدرتهم، والضابط في ذلك كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)، أي: ما في قدرتكم وطاقتكم، فأمرنا بالصلاة قياماً، وإن عجزنا صلينا قعوداً، وأمرنا أن يكون الوضوء بالماء، وإن عجزنا عن الماء أو فقدناه ننتقل للتيمم بالصعيد الطاهر، وهكذا ما عجزنا عنه ننتقل لما شرع لنا عند الأعذار.

أما السيئات كالزنا والشح والربا والسرقة والاشتغال بأعراض الناس، والغيبة والنميمة، وما إلى ذلك مما أمرنا بتركه فيجب أن نتركه البتة.

وقوله: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف:٣٠] هذه جملة معترضة، أما جواب (إِنَّ الَّذِينَ) فهي الآية التالية: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} [الكهف:٣١]، وتقدير الكلام: أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار إنها لا نضيع أجر من أحسن عملاً، بمعنى: أنه مع هذا المقام لا نضيع أجر من أحسن العمل، وإحسان العمل إخلاصه، فتكون عبادتك لله، لا تريد بها لا رياء ولا تسميعاً، ولا تريد بها أحداً من الناس البتة.

وأما من جعل عملاً من أعماله يريد به زيداً من الناس فذلك الشرك الخفي، وعبادته يضرب بها على وجهه، ولا بد أن تكون العبادة خالصة لله، قال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:٣]، فلا بد أن يكون الدين خالصاً لله، لا تشرك معه فيه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً ولا غيرهما.