للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم)]

قال الله تعالى: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ} [المؤمنون:٢٤].

فقام قومه مكذبين ومشركين ومصرين يقولون ويتنادرون مع بعضهم: ((فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ)) وكلهم قد كفر إلا قليل منهم مع كونه ظل في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو يدعوهم إلى الله الواحد، فقال الكفار من قومه: ((مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)) وتصوروا بعقلهم السخيف وشركهم الضائع الضال أن البشر لن يكون نبياً ولن يكون رسولاً! فجعلوا من حججهم ومن دلائلهم على تكذيب نبيهم نوح أنه بشر.

((مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ)) أي: إنما يريد بكذبه -وحاشاه من ذلك- أن يكون أفضلهم، وأن يكون المتبوع لا التابع، وأن يتظاهر عليهم بالرفعة والسؤدد، وهكذا عقول الكافرين تملي عليهم هذا الشيء في الزمان القديم، ولا يزال هذا إلى عصرنا.

((يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلائِكَةً)) أي: لو شاء الله حقاً عبادته، ولو شاء الله حقاً إرسال رسول لما أرسله بشراً، ولما أرسله إلا ملكاً، كانت هذه حجة الكفار منذ عهد نوح إلى عهد نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد قالوا ذلك وكرروه أمة بعد أمة، وقالوه لرسلهم رسولاً بعد رسول إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، فكذلك قاله الكافرون الذين عاصروه، وقاله الذين جاءوا بعدهم؛ قالوا: لو أراد الله نبياً ورسولاً لجعله ملكاً.

((مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ)) قالوا مبهتين وكاذبين: ما سمعنا بهذا في عصر آبائنا ومن قبلهم إلى عهود أجدادنا أن الله أرسل نبياً بشراً إلا نوح الذي زعم ذلك لما به من جنة وافتراء، هكذا زعم الكافرون، وهذا الذي قاله قومه هم أول من يعلم أنهم كذبة، وأنهم مبهتون، وأنهم قالوا غير الحق، فلقد كان العهد بهم قريباً إلى إدريس نبي الله، وكان العهد به قريباً إلى آدم نبي الله وإلى أبنائه المعاصرين له، فهم عندما يزعمون بأنهم لم يسمعوا بنبي بشر ولم يسمعوا برسول بشر كذبوا وافتروا، وزادوا على تكذيب نبيهم وشركهم بالله أن استدلوا بالأكاذيب والأضاليل والافتراءات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهكذا شأن الكافرين عندما يعجزون -وهم دائماً عجزة- عن الإتيان بالدليل ليحاجوا به الحق، فيبحثون عن الأكاذيب فيتخذونها أدلة، ولن تكون أدلة لا نقلية ولا عقلية.