للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر خبر ثابت بن قيس رضي الله عنه]

وقد كان ثابت بن قيس بن شماس جهوري الصوت، وهو من الصحابة الأنصار، فعندما نزلت هذه الآية قعد في بيته يبكي، وأغلق عليه بابه، وقال: لن أخرج حتى يستغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أظن هذه الآية نزلت إلا في، فإني كنت إذا تحدثت بمحضر رسول الله أرفع صوتي على صوته.

ومضت أيام دون أن يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فافتقده فسأل عنه فقال: (هل ثابت يشتكي؟)، أي: أمريض هو؟ قالوا: لا، وذكر جار له أنه ما سمعه يشتكي، فذهب إليه يقول له: إن رسول الله يسأل عنك، فجاء إلى رسول الله يبكي وقال: يا رسول الله! قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:٢]، فما أظن هذه الآية نزلت إلا في فأنا معك أرفع صوتي على صوتك، فقد حبط عملي! فأخبره رسول الله بأنه ليس الأمر بالنسبة له كذلك، وأنه سيعيش حميداً، ويموت شهيداً، ويدخل الجنة، ففرح ثابت ببشرى الله ورسوله.

وانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وقام مسيلمة الكذاب بدعواه النبوة، وقد ادعاها في آخر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتصدى له خليفته الأول أبو بكر، وأرسل الجيوش من المدينة تحت قيادة سيف الله المسلول خالد بن الوليد، وإذا بـ ثابت بن قيس يستشهد في المعركة، فكان كما قال عليه الصلاة والسلام: (وتموت شهيداً)، فقد مات شهيداً لإعلاء كلمة الله ولمحاربة أعداء الله وللدفاع عن المستضعفين من الرجال والنساء والولدان.

وقد حدث بعد موته حادثة غريبة لم يكن لها نظير في الأحكام، حيث رآه رجل في المنام فقال له ثابت: يا فلان! إن فلاناً في آخر المعسكر أخذ درعي، وهي في مكان كذا عند فرس ربطها بحبل طويل وهي تدور مع هذا الحبل، فقل لـ خالد يأخذ تلك الدرع ويبيعها ويتصدق بها، وقل لـ أبي بكر: إن غلماني أحرار وعتقاء لله جل جلاله، فجاء هذا الرجل وبلغ خالداً، فبحث عن الرجل الذي وصفه ثابت فوجده كما وصفه، ووجد الدرع تحت البرمة، فأخذها، ثم انتهت المعركة بنصر المسلمين واستشهاد كثير منهم، وعادوا إلى المدينة منتصرين فقال خالد لـ أبي بكر: إن ثابتاً استشهد، وقد أوصى بعد موته بأن يعتق عبيده وبأن تباع الدرع، وقد أخذها رجل ممن كان في المعركة، ووجدتها كذلك، فأمضى أبو بكر وصيته وأعتق العبيد عنه، وهذه أول حادثة في تاريخ الإسلام وأحكام الإسلام تنفذ فيها وصية ميت.