للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب)]

قال الله جل جلاله: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:٢٩].

يصف ربنا جل جلاله كتابه الذي أنزله على خاتم أنبيائه صلى الله عليه وعلى آله بأنه كتاب مبارك، فيه خير الدنيا والآخرة، وفيه أحكام الناس حلالها وحرامها، وفيه ما ينفع الناس في دنياهم وأخراهم، وأنه كتاب الله المنزل على رسوله وليس كما زعم أعداء الله من المشركين والكافرين.

فقوله: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:٢٩].

البركة: هي النماء والزيادة، فالله تعالى يبارك للمؤمن في دراسة كتاب الله وفهمه وتعلمه وتعليمه.

وأنزل الله كتابه ليتدبره الناس وليتفكروا فيه، وليتعلموا أحكامه وقصصه وتوحيده وعقائده، وما فيه من أخبار الأولين والآخرين، وأمور الدنيا والآخرة، وليعملوا بما فيه.

يقول الحسن البصري: ليس تدبر القرآن حفظه وتعلم حروفه فقط، ولكن تدبره العمل به والقيام بما جاء فيه.

إذاً: الحفظ وحده لا يكفي، والمدارسة بلا عمل لا تكفي، بل لا بد من حفظه ورعايته وتعلم أحكامه، وما يمكن أن يقوم الناس به في دنياهم وأخراهم، فقوله: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:٢٩] أي: ليعملوا ما فيه من آيات كريمات تحمل معاني الخير في الدنيا والآخرة، وما فيه مما ينفع البشر في دنياهم ويعود عليهم في الآخرة بالفلاح والسعادة ورضا الله، والعمل بما أمر به.

وقوله: {وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:٢٩]، أي: ليتذكر أولوا العقول، والألباب جمع لب، فهم الذين أكرمهم الله بعقول نيرة يتدبرون بها هذا القرآن، ويفكرون في معانيه وأحكامه وإعجازه؛ ليكون لهم ذكرى، ولم يفعل هذا إلا ذو لب وذو عقل وذو فهم وإدراك، بخلاف الذين فقدوا عقولهم قبل أن يفقدوا أديانهم، ولذلك العاقل هو من كان متديناً بما أمر الله به خلقه، أي: بهذا الكتاب الكريم والإيمان والإسلام الذي نزل به، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:٨٥].