للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره)]

ثم أخذ ربنا يعدد نعمه على الناس فقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الجاثية:١٢].

قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ} [الجاثية:١٢] أي: ذلّله للركوب، وذلّله للأسفار، وذلّله للسباحة، وذلّله للصيد، وذلّله لاستخراج ما في باطنه من أنواع الثروات والكنوز التي يعيش بها الإنسان على وجه الأرض.

وهذا البحر صدق فيه وصفه عمرو بن العاص لـ عمر بن الخطاب عندما سأله: صف لي البحر؟ فقد طلب منه معاوية أن يغزو الأعداء والكفار وراء البحار، فقال عمر لـ عمرو: صف لي البحر، فقال عمرو: داخله مصفود والخارج منه مولود، يركبه خلق ضعيف دود على عود.

فقال عمر: والله لن أرسل جيشاً في البحر ما دمت حياً.

فـ عمرو نفّر عمر بهذا الوصف، وكان عمر حريصاً على أرواح جنده وعلى حياة المؤمنين، فقد يهون أن يموت واحد، ويمكن أن لا يموت إذا اقتضى الأمر ذلك، أما أن يصبح الجيش داخل البحر كله في خطر الغرق فهذا ما كان يخشاه عمر، ولذلك لم يبعث جيشاً مدة حياته ليحارب إلا في البر، ولكن البر الذي حارب فيه اكتسح فيه أقاليم وشعوباً وأراضي في المشرق والمغرب، ففتح الشام، وفتح العراق، وفتح فارس، وفتح مصر، وفتح المغرب أرض البربر، وكل ذلك لم يحتج فيه إلى بحر، ما كان يحتاج فيه إلا البر على الإبل والدواب، وقد فتح عمر في خلافته ما لم يفتح بعده.

قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ} [الجاثية:١٢]، أي: سخر هذا البحر وذلّله وطوّعه {لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ} [الجاثية:١٢] والفلك: جمع لا مفرد له من لفظه، ومفرده من غير لفظه السفينة، فسخّره الله تعالى لركوب السفن والفلك لتجري في البحر بأمر الله وقدرة الله وإرادة الله، يقطع عليها ما بين القارات وما بين المشارق والمغارب.