للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت)]

قال تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:١٧].

(اليوم) أي: يوم الآزفة، ويوم التلاق، أي: اليوم الذي هم بارزون فيه أمام الله لا يسترهم شيء، ففي هذا اليوم {تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [غافر:١٧]، يوم يحاسب الخلق وتجازى كل نفس بالذي كسبته، وبما تخولته وصنعته وفعلته وأصبح كسباً لها من خير أو شر، فأما الذي كتب الخير فله الخير، وله الرحمة والجنان، والذي اكتسب الشر وارتكب الشر فله الإثم والغضب والنيران.

{ْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [غافر:١٧] كل نفس كانت لذكر أو أنثى، أو كانت لجن أو إنس، تحاسب كل نفس على حدة، فقد خرجنا وحداناً إلى العالم من بطون أمهاتنا، وسنعود وحداناً، وسنحاسب وحداناً، فمن أتى بالخيرات والطاعات والعبادات فيا فوزه ويا سعادته! فمن نجا فإنه لا يذل ولا يخزى ولا يُلعن، ومن خسر فقد خسر الدنيا والآخرة، خسر أهله وولده ووجوده.

{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:١٧] يقول الله جل جلاله: لن نظلم أحداً، وبيان هذا جاء في حديث قدسي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم) إلى آخر الحديث، ثم قال: (إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) فالله لن يظلم أحداً وحاشاه ذلك، فقد حرم الظلم على نفسه كما حرمه على خلقه.

{لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:١٧]، فحساب هذه الخلائق بما فيها من عشرات ومئات وملايين كحساب شخص واحد، قال تعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:٢٨]، فقد خلقنا ونحن بهذه الأعداد، وأماتنا ونحن في هذه الأعداد، وذلك كما لو بعث نفساً واحدة أو خلق نفساً واحدة، وهو لا يعرف كللاً ولا سأماً، لا كما يقول الكفار من النصارى عليهم لعنات الله: إنه خلق الدنيا في ستة أيام ثم استراح اليوم السابع.

وهذا قول العقول السخيفة الكافرة التي تتطاول على عظمة الله، تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيراً.

{مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:٢٨] فإذا أراد أمراً فإنما يقول له: كن، فيكون، ولن يحتاج الأمر إلى أكثر ذلك.

(إن الله سريع الحساب)، قد يتساءل المتسائل: هؤلاء الخلائق من عصر آدم إلى عصرنا كم يحتاجون لوقت لإنهاء حسابهم؟

و

الجواب

أن الله سريع الحساب ينهي ذلك في لحظات، فهو قادر على ذلك في لحظات، ومثال ذلك: أننا نرى في المنام أننا تزوجنا وولدنا وحاربنا وقاتلنا، وسافرنا وعدنا، فتصحوا وتنظر إلى الساعة فإذا بكل ذلك قد تم خلال خمس دقائق، وفي المنام تظن أنك عشت سنوات، ومن ذلك يمكن للإنسان أن يتصور سرعة الحساب بقدرة الله.