للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم)]

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إلى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} [غافر:١٠].

يخبر ربنا جل جلاله بأن الكفار يوم القيامة ينادون من قبل ملائكة النار وملائكة العذاب عن أمر الله: ((يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) ومعنى الكلام: أنه عندما يصل الكفار إلى النار، ويتذكرون ما مضى من حياتهم في دار الدنيا، وأنهم كانوا يؤمرون فيخالفون، فكان الناس يوحدون ويؤمنون، وهم يشركون ويكفرون فهناك يمقتون أنفسهم، ويحقرونها، ويجرمونها، وتصبح أنفسهم لديهم من المقت ومن التحقير ومن الإذلال بالدرجة العليا، وهم في غاية ما يكونون من الحسرة والندم والألم النفسي والروحي مضافاً إلى الألم الجسدي، وهم يعذبون في نار جهنم، وهم في هذه الحال ينادون: يا ويلهم! يا بلاءهم! يا خسارة دينهم ودنياهم! فتقول لهم الملائكة: إن مقت الله لكم في الدنيا وأنتم تدعون إلى كتاب الله، وإلى الإيمان بالله، والرسل ينادونكم صباحاً ومساء، سفراً وحضراً، وفي جميع الأوقات وأنتم في دار الدنيا، فأرسل لكم رسلاً مبشرين ومنذرين، وأنزل عليكم كتباً معلمة موجهة، ومنذرة ومبشرة، وأنتم تأبون إلا الكفر والعقوق، وتأبون إلا الخروج عن أمر الله، لقد كان مقت الله لكم وأنتم في دنياكم أكبر من مقتكم لأنفسكم، وماذا عسى يفيدكم هذا بعد أن جئتم الآخرة وأنتم مشركون بربكم، كافرون بأنبيائكم، تكذبون بالكتب المنزلة على أنبيائكم! فلا خلاص ولا خروج ولا عودة لدار الدنيا، فقد فنيت وذهبت وانتهت ولم يبق لها وجود.

((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ)) أي: تناديهم الملائكة، ((يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ)) أي: غضب الله وتحقيره لكم.

((أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ)) أي: مقت الله وغضبه وتحقيره لكم وأنتم في دار الدنيا أكبر من هذا المقت الذي مقتم به أنفسكم وحقرتموها بعد أن أصبحتم في النيران وبين جدران جهنم.

((إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ)) أي: إذ كنتم في دار الدنيا تدعون من قبل أنبيائكم وعلمائكم الذين هم ورثة الأنبياء يدعونكم إلى أن تقولوا: لا إله إلا الله، وكنتم تنكصون عن قولها، وتبتعدون عن الإيمان بها، إذ ذاك كنتم في غاية المقت، وفي غاية الغضب، وكان مقت الله لكم وبغضه لكم، وتحقيره إياكم أكبر بكثير من مقتكم الآن لأنفسكم.