للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)]

قال الله جل جلاله: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:١ - ٣].

طه: اختلف المفسرون في تفسيرها وبيانها أكثر مما اختلفوا في فواتح السور والحروف المقطعة، وقيل عنها: إنها من الحروف المقطعة الماضية، وحكمها حكمها.

وقيل: طه: يا رجل، في لغة عكل وذبيان.

وقيل: يا إنسان.

وقيل: بأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه الوحي وأكرم بالنبوءة بالغ في العبادة حتى كان يقوم الليل كله، فاضطر بأن يراوح بين قدميه، ويقف على رجل ويرفع أخرى، كما روى عياض ذلك في الشفاء فقال الله له: {طه} [طه:١].

أي: طأ الأرض بقدميك، ولا تتعب نفسك، فلم ينزل عليك القرآن لشقاء ولا عناء ولا تعب.

وروي: بأن طه اسم من أسماء الله جل جلاله.

وروي: أنه اسم من أسماء السورة.

وروي أنه اسم من أسماء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله.

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا عند ربي قد سميت بعشرة أسماء، فذكر منها طه وياسين).

وكما سبق أن قلنا: لا يمكن البت والقطع بمعنى من هذه المعاني؛ لأننا لم نرو حديثاً صحيحاً في ذلك نعتمده ونلغي جميع الروايات، ولم يحصل لنا إجماع من الصحابة أو ممن جاء بعدهم، فنحن نلقي كل ذلك، ونقول: يحتمل المعنى أن يكون واحداً من هذه المعاني.

{طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:١ - ٢]: أي: لم ننزل عليك يا محمد هذا القرآن لتتعب به وتشقى منه، وقد قالت له كفار قريش عندما رأوا عناءه وتعبه وما يدخله على نفسه من مشقة السهر والقيام عابداً وقائماً وساجداً وراكعاً، قالوا له: لقد شقيت بهذا الكتاب يا محمد، فكذبهم الله وقال لنبيه: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:٢].

فلم يكن القرآن للشقاء لا لك ولا لأتباعك، بل كان للهناءة والراحة، والهداية والصلاح، ولسعادة الدنيا والآخرة، ولا يقلب من ذاك إلى غيره إلا إذا كان القارئ غير مسلم، أو مسلماً ناقصاً، كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه يقول: (رُبَّ قارئ يقرأ القرآن والقرآن يلعنه).

فالقرآن يلعن الكاذبين، ويلعن الفاسقين، ويلعن الظالمين والكافرين.

قوله: {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:٣].

استثناء منقطع من غير جنس الأول، أي: ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة لمن يخشى الله والدار الآخرة، وما أنزلناه إلا عظة لمن يخاف الله، ويخاف عذابه ويخاف نقمته، وهو على ذلك ما أنزل إلا أمانة، وما أنزل إلا سعادة، وما أنزل إلا راحة، وليس كما زعم هؤلاء.

وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨].

وفي معجم الطبراني عن ثعلبة بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله جل جلاله للعلماء يوم القيامة عندما يستوي على الكرسي للقضاء بين الخلائق: ما أعطيتكم من علمي ومن حكمتي إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي).

قال الحافظ ابن كثير المفسر الجليل: هو حديث، جيد السند متصل الرواية، وثعلبة بن الحكم صحابي جليل ترجم له في كتب الصحابة.

قوله: {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:٣].

أي: ولكننا أنزلناه تذكيراً وتذكراً، وتفسيراً وتمعناً لمن يخشى الله والدار الآخرة، ويحسب حساب ما بعد الموت.