للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وتقطعوا أمرهم بينهم)]

ثم قال تعالى: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} [الأنبياء:٩٣].

كان الناس أمة واحدة، ولكنهم بعد ذلك تقطّعوا أمرهم بينهم، أي: قطّع بعضهم بعضاً، وجعلوا أنفسهم مللاً ونحلاً وأحزاباً وشيعاً، {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:٥٣].

النصارى عبدوا مع الله اثنين وأصبحوا يعبدون ثلاثة، واليهود أصبحوا يعبدون مع الله العجل وعزيراً، وكلهم يقول: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:١٨] فكذبوا وأفكوا، وافتروا على الله، وقد عبد غيرهم أنواع العبادات، وكل ذلك لم يكن عليه سلطان من الله ولا من العقل.

قوله: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} [الأنبياء:٩٣] هذا وعيد من الله وتهديد، فهؤلاء الذين قطّعوا أديانهم مزّقوا الملل، وجعلوها أحزاباً وشيعاً كلهم إلينا راجعون، فسنحاسب كلاً حسب عمله، وحسب طاعته أو معصيته، قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:٧ - ٨] كل حسب عمله، إن عمل ما يدعو إلى الجنة دخلها، وإن عمل ما يستحق به النار دخلها.

قوله: {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} [الأنبياء:٩٣] أي: مبعوثون ليعرضوا على الله فيحاسبهم.