للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم)

قال تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء:١٠].

كان الخطاب في الجزيرة العربية أولاً للعرب قوم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أصبح خطاباً لجميع من أكرمه الله بالإسلام والإيمان، فكانت النذارة للعشيرة الأقربين أولاً: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:٢١٤] ثم لكل الناس في مشارق الأرض ومغاربها، عرباً وعجماً، فقال لهؤلاء: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء:١٠]، أي: فيه شرفكم وعزتكم ورفعتكم يا هؤلاء الذين حجدوا هذا القرآن الكريم أنه وحي من الله، وأنكروا أن يكون هذا الكتاب الكريم -بما فيه من قصص وعبر، وحلال وحرام، وبما فيه من إعجاز وعلوم ومعارف، ولم يؤت بمثله قبل وبعد، لا في كتاب منزل، ولا في كتاب مدون من بشر، ولن يأتي مثله أبداً، هذا الكتاب كان شرفاً وذكراً لكم، وفيه ذكر محاسن ومزاياكم، وذكركم فيما بشرتم به مهاجرين وأنصاراً، وبالتالي هو شرف لكل مسلم.

فالقرآن شرف الله به المؤمنين عرباً وعجماً، وأكرم الله به المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، أكرمهم بما وعدهم به، وبشرهم من رضا ورحمة وجنان خالدة، أكرمهم بما هداهم إليه، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، فتركوا الضلال إلى الهداية، ومع هذا كانوا أشبه بمجنون يفقأ عينيه وينحر نفسه وهو لا يدري، تركوا النور إلى الظلام، والهداية إلى الضلال، والشرف إلى الذل والهوان، هل يصنع هذا عاقل؟! ولو كان الكافر عاقلاً لما صنع هذا بنفسه: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء:١٠] وبالتالي عمت الآية كل مؤمن، فقد شرفه الله، وأحسن ذكره وسيرته في هذا القرآن الكريم: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء:١٠] ألا عقل هنا؟! ألا ميزة يميز بها بين الحق والباطل، بين الإيمان والكفر، بين النور والظلمة؟!