كانوا في الجاهلية يضحون ويقدمون الهدي، ويأتون بالدم فيلطخون به الكعبة ويوسخونها، ويقتطعون من البدن ومن الضحايا لحوماً ويعلقونها على الكعبة؛ يزعمون بذلك القربى إلى الله باللحوم والدماء، فقال تعالى:{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا}[الحج:٣٧] أي: لا يصل ذلك إلى الله، والله لا يريد لحماً ولا دماً، وهو غني عن ذلك، ولا يليق ذلك بألوهيته، ولكن يناله التقوى منكم، ومعنى التقوى: الامتثال، والامتثال هنا هو الأمر بهذه الهدايا منه لنأكل نحن منها، فيأكل منها القانع والمعتر والبائس الفقير.
والذي ينال الله منها جل جلاله هو تقوانا، والتقوى: الطاعة، وفعل ما أمر الله به، فيفعل طاقته واستطاعته وترك منهياته البتة، والضابط في ذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم:(ما أمرتكم به فاتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فانتهوا).
فالتقوى: امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وأما اللحوم فهي لكم، فكلوا منها، وليأكل الفقراء والأقارب والمحتاج والذي تظنه غنياً باستعفافه، والبائس الفقير، ومن يسال.
قال تعالى:{كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}[الحج:٣٧] أي: سخرها لكم ذبائح ومناحر؛ لتأكلوا منها، ويأكل منها البائس الفقير والمعتر والقانع، وسخرها لكم مراكب وملابس ومشارب وإنتاجاً، ومما ينتفع به من هذه الأنعام من كونها ضحايا وهدايا.
{لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}[الحج:٣٧] فنقول: الحمد لله على هدايته، والحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، ولا نعمة أكثر من الإسلام، وكفى بها نعمة! وكما علمنا الله أن نقول:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}[الأعراف:٤٣]، فرسل الله قد جاءت بالحق، ودعت إليه، وأمرت به، وأرسلت به.
قال تعالى:{وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}[الحج:٣٧] الإحسان: الطاعة والإتيان بها كما أمر الله بفرائضها وأركانها وواجباتها وسننها، وترك المنهيات فيها، والمحسن: المطيع، مع الإخلاص واليقين، وعدم الإساءة في عمله لا بمنّ ولا بمراءاة.