للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى)]

قال تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل:٥٩].

قال الله لنبيه بعد أن قص عليه تدمير هؤلاء العصاة الكفار وجعلهم مثلاً لقومه فيما إذا استمروا على كفرهم وعصيانهم: (قل الحمد لله) أي: على نصر عباده ونصر رسله وأنبيائه وورثتهم من المؤمنين المتقين الصالحين، والحمد لله الذي عاقب أعداءه، فعاقب من كفر بالله، وخرج عن أمر الله، وعصى رسول الله، وخرج عن طاعة رسول الله، فالحمد كثيراً.

فالله علم نبيه أن يقول ذلك، ولقد أصبح هذا شعار المؤمنين من ذلك الوقت، فلا يلقي المؤمن خطبة ولا محاضرة ولا يكتب كتاباً ولا رسالة إلا ابتدأها بالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ولا نزال نعيش في هذا إلى الآن، وقد تستبدل الحمد لله بـ (باسم الله) كما فعل سليمان عندما كتب إلى بلقيس ملكة اليمن: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:٣٠].

قال تعالى: (وسلام على عباده الذين اصطفى) فمن هؤلاء العباد الذين اصطفى؟ قال جمهور المفسرين: هم رسل الله وأنبياء الله.

واستدلوا بقوله تعالى: {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات:١٨١].

وقال ابن عباس: {وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل:٥٩] أي: الصحابة الذين اصطفاهم الله تعالى لدينه، وللإيمان برسالته، ولاتباع نبيه وخاتم أنبيائه وأشرفهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وقال بعض العلماء: الآية تعم كل المؤمنين ممن اصطفاهم الله للإيمان به، ولتقواه، وللبعد عن فعل الكافرين والوثنيين والعصاة من المخالفين.

أما كون الذين اصطفاهم واختارهم هم الأنبياء والمرسلين فهذا لا شك فيه، فقد كانوا هم المصطفين، وصفوتهم نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد أدبنا القرآن وأدبنا المنزل عليه صلى الله عليه وسلم إذا ذكرنا نبينا أن نصلي عليه، وقد أمرنا الله بذلك فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، وكان نبينا عليه الصلاة والسلام يقول: (من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً)، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: (البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي).

وأما الصحابة رضوان الله عليهم فلم يكن في عصرهم ولا بعد عصرهم ذكرهم بالسلام، فنقول: أبو بكر عليه السلام، أو: عمر عليه السلام، وإنما نخصهم بالرضا؛ وكان جماعة من سلفنا وجماعة من المفسرين والمحدثين وكبار العلماء المجتهدين يخصون بالسلام آل البيت بعد الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، صنع هذا البخاري، وصنع هذا المحدثون الأئمة، ووجد في كتبهم.

وأما السلام على الصحابة لصحبتهم فلم يذكر قبل ولا بعد، فمن المعروف أنه إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نقول: صلى الله عليه وسلم، وإذا ذكر الصاحب نقول: رضي الله عنه، وإذا ذكر التابعي فمن بعده نقول: رحمه الله؛ لأن الله تعالى يقول لنا: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:١٠]، والرحمة دعوة بالمغفرة ودعوة والعفو ورفع الدرجة، وهكذا أمرنا أن ندعو لهم، ولا نصلي ولا نسلم.

وقوله تعالى: {وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل:٥٩] أي: اختار.

{آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل:٥٩] يقول الله مقرعاً أولئك بقول يقوله لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقوله كل مؤمن وكل مسلم وكل داع إلى الله، يقول لهؤلاء المشركين: الله الذي خلقكم، ورزقكم، وأعطاكم، وهو الذي صنع بالمخالفين من أقوام نوح وهود وصالح ولوط ما صنع، فهل يستطيع أولئك الذين عُبِدوا من دون الله أن يفعلوا كما يفعل الله؟

الجواب

لا.

والخيرية هنا ليست على بابها؛ لأن كلمة (خير) أصلها (أخير) وأفعل التفضيل تقتضي المشاركة وزيادة، فالخير كله في طاعة الله، وفي الإيمان به، والشر كله في الأوثان والأصنام والكفر والمخالفة.