للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم التفريق بين من قتل أو مات في سبيل الله]

كان سلمان الفارسي رضي الله عنه مع جند من الأصحاب في حصن من حصون الروم يحاصرونه، وإذا بأحد الجند يموت ميتة طبيعية وآخر يقتل، فذهب سلمان في جنازة الذي مات ميتة طبيعية وترك الآخر، فقيل له: يا صاحب رسول الله! تركت الشهيد وذهبت لمن مات حتف أنفه، فقال لهم: ألا تقرءون القرآن! {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا} [الحج:٥٨]، فالله لم يفرق فيمن هاجر في سبيل الله بين أن يكون مات قتيلاً أو مات ميتة طبيعية، فأولئك شهداء، وكل أولئك يرزقون في الجنة الرزق الحسن.

وتكرر هذا في جزيرة روس وكان الأمير فضالة بن عبيد الأنصاري، فمضت جنازتان جنازة لجندي قتل وجنازة لميت مات من هؤلاء المرابطين في سبيل الله، فذهب الأمير لجنازة الميت وترك الجنازة الأخرى؛ لأن كليهما دفن في وقت واحد، هذا في جهة وهذا في أخرى، ولم يمكن جمعهما في مقبرة واحدة ولا من طريق واحدة، فقال فضالة: ألا تقرءون القرآن! كل من خرج في سبيل الله فمات أو قتل فهو شهيد في سبيل الله، لا فرق بين قتيل وميت حتف أنفه، وتلا الآية: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا} [الحج:٥٨].

وسبيل الله أبوابه كثيرة، وليس الجهاد والقتال بالسيف فقط، بل من خرج من بيته يريد الحج فهو سبيل الله، ومن خرج يريد طلب العلم فهو في سبيل الله، ومن خرج يدعو إلى الله فهو في سبيل الله، وأي تنقل وسياحة وسفر يريد صاحبها الله بعمله ومن أجل الله فهو في سبيل الله، دفاعاً بالسيف أو نشراً للإسلام بالقلب أو باللسان أو بعمل من الأعمال، فإن كان لا يريد هذا السائح والمسافر إلا وجه الله فإن مات كانت هجرته في سبيل الله، وله من الله الرزق الحسن، وكان مع الشهداء الذين تشهد جنازتهم الملائكة.