للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قد قالها الذين من قبلهم)]

قال تعالى: {قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الزمر:٥٠].

أي: قالها قارون كما قص الله في كتابه عندما أعطاه من كنوز الدنيا ما تعجز العصبة أولو القوة على حمل مفاتيحها، فعندما قيل له: اشكر الله واحمد الله، وآمن بموسى -وهو من قومه من بني إسرائيل-: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:٧٨]، فكانت النتيجة أن خسف الله به الأرض هو وعرشه وماله وكنوزه ومفاتيحه ذهب في الأمس الدابر ودفن بجميع ما يملك؛ كنوزاً وقصرواً ودوراً وأولاداً وخشباً وحشماً وخدماً، فكأن ذلك لم يكن يوماً، ودعك ما يدبر لهم الله في الآخرة.

فقوله: ((قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) أي: قد قال ذلك أقوام من قبل، وإنما قارون مثال منهم، فهؤلاء أصيبوا في أبدانهم وأموالهم، فدعوا الله وضرعوا إليه، حتى إذا كشف عنهم الضر وعافاهم وشفاهم، وقيل لهم: اشكروا الله، قالوا: إنما أوتينا الذي أوتينا على علم منا ومعرفة ودهاء وبراعة وعلى علم منا أننا أهل لذلك، وأن سيؤهلنا للجنة يوم القيامة، هذا مع شركهم وكفرهم وجحدهم للأنبياء ورسالات الله وكتبه.

فقال الله لهؤلاء المشركين في عصر النبي عليه الصلاة والسلام ومن يجيء بعدهم إلى يوم القيامة: ((فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) أي: لم يغنهم، ولم يفدهم، ولم يدفعهم عن بلاء ولا مصيبة، ولم تشكر لهم نعمة، إذ هم كفروا بالنعمة، فجميع ما كسبوا من ملك وحطام ومال وجاه وشباب وأولاد وأتباع كل ذلك كان وبالاً عليهم ونقمة، وكان زيادة في العذاب والابتلاء والفتنة، فهكذا يضرب الله الأمثال ويعلم الحاضرين ويعطيهم الدروس والعبر من السابقين، إن وجدت آذان سامعة أو قلب يسمع الحق وهو شهيد.