للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية سورة النور وما فيها من آداب وأحكام]

قال الله تعالى: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور:١].

لقد أنهينا سورة المؤمنون، وقد فصل الله فيها حال المؤمنين وأخلاقهم، منذ ابتدأ السورة: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:١ - ٢] إلى أن أنهيت بقوله: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون:١١٧ - ١١٨].

فابتدئت بصفات المؤمنين الذين هم أهل الجنة، والذين استحقوا من ربهم -فضلاً منه وكرماً- رحمته ورضاه والجنة، وختمت بالتنفير من الشرك، ومن اتخاذ الإله الذي لا برهان عليه، ثم ختمت بآخر آية بأن قال الله لنبيه: {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ} [المؤمنون:١١٨].

فطلب منه وأمره أن يستغفر لنفسه، وأن يستغفر لأمته، وأن يدعو لها بالرحمة، وأن يدعو لها بالسداد والهداية ليكون من أهل الجنة، وقد فعل صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وننتقل الآن إلى السورة التالية وهي سورة النور، وهي سورة مدنية بإجماع علماء التفسير، وفيها أربع وستون آية، وتكاد تكون كلها أحكاماً وحدوداً، وأوامر ونواهي، ومن المعلوم عند علماء القرآن أن القرآن الكريم كان في نزوله بمكة يقرر التوحيد، وكانت الآيات تنزل لتسفيه الشرك، وتزييف الشركاء، وقلما يوجد في السورة المكية أوامر ونواه وحدود وأحكام، وإنما كان أغلب ذلك في المدينة المنورة، وقد استقر فيها قدم الإسلام حاكماً وآمراً، وأصبح النبي صلى الله عليه وسلم يتصرف تصرف الحاكم، فيقاتل ويجاهد، ويقيم الحدود من قتْل ورجم وجلد وقطع، ويعاقب الفئات والكتل المتمردة المخالفة: كما قاتل اليهود فقتل من قتل، وشرد من شرد، وصادر من صادر، وطرد من طرد، وأمر عند وفاته صلى الله عليه وسلم أن يطردوا جميعاً من جزيرة العرب نصارى ويهوداً، ولم يكن ذلك إلا أمر منه صلى الله عليه وسلم بطرد غير المسلمين من جميع ديار الإسلام، ومن العالم الإسلامي كله؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قد قال: (لا تصلح قبلتان في أرض، ولا يصلح دينان في أرض).

وعندما قال: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب) كان العالم الإسلامي هو جزيرة العرب لم يخرج بعد عنها.

فهذه السورة مدنية بجميع آيتها الأربع والستين، وقد ابتدئت بحدود الزناة، وحدود القذفة، وباللعان، ثم بعد ذلك ذكرت قصة الإفك، وكان سبب نزولها قصة الإفك.