للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم قبول الواهبة نفسها له بدون ولي ولا شهود]

قال تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:٥٠].

كما أحل له بنات العم وبنات العمة، وبنات الخال وبنات الخالة إن هاجرن معه، وما ملكت يمينه بلا حد، أباح له خاصة دون غيره من الناس -وهذا من خصائصه- امرأة مؤمنة وموحدة مسلمة.

{إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب:٥٠] أي: جاءت تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أهبك نفسي.

{إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا} [الأحزاب:٥٠] السين والتاء للطلب، أي: إن وافق وقبل الزواج بها والعقد عليها، ولذلك هناك شرطان في هذا: الشرط الأول: أن تكون مؤمنة.

الشرط الثاني: إذا وافق.

إذا لم تكن مؤمنة فلا تحل له وإذا لم يقبلها لا يجبر ويكره عليها.

قوله: {خَالِصَةً} [الأحزاب:٥٠] أي: حالة كون هذه الواهبة نفسها خالصة لك من دون المؤمنين، فللنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج من وهبت نفسها له بلا مهر ولا ولي ولا شهود.

أما المؤمنون فلا بد من مهر قليلاً كان أو كثيراً، ولا بد من ولي يعقد عليها، ولا بد من شاهدي عدل؛ ومن هنا كانت الخصوصية أن تهب نفسها حال كونها مؤمنة، وحال كون النبي عليه الصلاة والسلام قد أراد ذلك، وفي حال الموافقة والإيمان لا حاجة لمهر ولا لموافقة ولي ولا حاجة لشهود عدول.

(كان النبي عليه الصلاة والسلام في مجلسه فجاءته امرأة وقالت له: يا رسول الله إني أهبك نفسي، فصعّد فيها البصر وصوّبه وسكت عنها فطال مقامها، وكان في المجلس أحد فقراء الصحابة، فبادر وقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها قال: ما معك لتصدقها؟ قال: إزاري، قال: وما يغني عنك الإزار، هل معك غيره؟ قال: لا يا رسول الله، قال: التمس ولو خاتماً من حديد، فذهب وعاد وقال: يا رسول الله لم يوجد ولا خاتم حديد، قال: فما معك من القرآن؟ قال: أحفظ سورة كذا وسورة كذا وذكر سوراً قال: قد زوجتك بما معك من القرآن) معناه: قد زوجتها لك على أن تعلمها هذه السور، وكان مهرها وصداقها هو أن يعلمها هذه السور، وكفى بذلك مهراً وصداقاً.

إذاً: هذه الخصوصية هي أن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج من وهبت نفسها له، قال ابن عباس والزهري والمفسرون: هذا الحق لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم قط، ولم يتزوج امرأة وهبت نفسها له أبداً، والكثيرات عندما تلون هذه الآية تشوفن وتطلّعن بأن يصبحن أمهات المؤمنين وزوجات سيد البشر أجمعين عليه صلوات الله وسلامه، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأبى ولم يفعل.

وزعم البعض أن منهن زينب أم المساكين، ولكن كل ذلك ليس بصحيح، فإنه لم يقبل من وهبت نفسها له، وتنازل عن هذا الحق الذي خصه الله به.

وكان أنس بن مالك يتحدث بقصة هذه المرأة وفي مجلسه إحدى بناته وقال: (إن امرأة جاءت النبي عليه الصلاة والسلام فوهبت نفسها للنبي وإذا بابنته تصيح وتقول: أوه ما أقل حياءها، أتعرض نفسها زوجاً؟ قال: اسكتي يا قليلة الأدب، إنها رغبت في رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها له) أي: ومن لا يرغب في رسول الله عليه الصلاة والسلام والصلة به بأي شكل من الأشكال؟ أما إذا جاءت امرأة لإنسان ما وقالت: أهبك نفسي تعرض نفسها للزواج به، فعليه المهر وعليه ولي وعليه الشهود، وبغير ذلك لا يصح نكاح ولا زواج.