للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير)]

قال تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل:١٧].

قوله تعالى: (حُشر) أي: جُمع.

فسليمان كان يريد سفراً، فاجتمع له مواكب الجند من الجن والإنس والطير، وكانت وظيفة الطير وظيفة كبيرة يعلمها من يسكن الصحاري، فقد كانت تظلله في مدة سفره، بحيث تحجبه عن الشمس وحرّها، وكانت تحرّك أجنحتها بطبيعة الحال وهي تطير، فكانت كالمكيفات والمراوح.

أما جند الجن فكانوا مكبلين بالسلاسل والأغلال، لأنهم لا يؤتمنون، إذ يسرعون بالأذى للإنس، فهم لا يعملون إلا تحت القهر وتحت القوة، والإنس منهم القادة ومنهم الوزراء ومنهم المستشارون، ومنهم المبلّغون، والجن كانوا يشهدون المكان إن احتاج سليمان للنزول أو المقام.

وقد سخّر الله تعالى لسليمان الريح، وكان يضع فوق هذه الريح ما يشبه اليوم أعظم طائرات الأرض، وهو البساط الذي يحمل الآلاف، وكانت هذه الريح تطير رخاء بالشكل الذي يرغب فيه، وبلا إزعاج ولا إقلاق كطائرات اليوم.

قال تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ} [النمل:١٧] أي: من جنس الجن، وجنس الإنس، وجنس الطير، وهذا ما لم يكن لأحد ممن سبقه من الأنبياء، وإن كان سليمان طار في الأجواء فقد طار نبينا صلى الله عليه وسلم فيما لم يصل إليه سليمان ولا من سبقه، فقد طار في ثوان إلى بيت المقدس، واجتمع بالأنبياء فصلى بهم إماماً، ثم عُرج به إلى السماوات العُلى، إلى أن كان قاب قوسين أو أدنى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا ما لم يصل إليه سليمان بريحه ولا بجنه ولا بطيره ولا بإنسه.

يقول تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل:١٧] أي: يرتبون وينظمون كما تنظم المواكب في جيوش الدولة وجيوش القتال، فقوله تعالى: (يوزعون) أي: يُمنعون من أن يتقدم أحد عن رتبته، أو يتأخر عن رتبته، ومن كل أو مل أو مرض يُخرج ليقف حيث يكون أمثاله ويجلس حيث يجلس أمثاله.

فكانوا يلزمون بأن يكونوا مصطفين منظمين كل في مكانه وكل في رتبته، وفي الدرجة العليا نبي الله سليمان، وكان هذا الترتيب يحصل في الأرض وفي الجو وعلى البحار وفي الفيافي، وهو ملك خصّ الله به سليمان من بين جميع أنبياء الأرض، بل ومن بين جميع ملوك الأرض، فـ فرعون على فرعنته وطُغيانه لم يكن له أن يأمر ماء أو رياحاً أو جناً أو حيواناً أو طائراً.