للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين)]

يقول ربنا تعالى: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} [الدخان:١٣].

كيف يتذكر هؤلاء؟! ومن أين ستأتيهم الفكرة والندم على ما فات منهم والعودة إلى الحق وإلى الإيمان الصحيح وقد جاءهم رسول الله والكتاب المنزل عليه، وكان رسولاً مبيناً صادق الرسالة صادق القول مصدقاً منذ تربى ونشأ في أهله، صادقاً في قوله: أنزل علي هذا الكتاب، نزل علي به الروح الأمين جبريل، فكيف يتذكرون وقد جاءهم هذا الرسول ومع ذلك لم يتفكروا، ولم يعودوا إلى لحق من أجله، بل كذبوه ولم يؤمنوا به ولم يؤمنوا بما جاء به.

قال تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} [الدخان:١٤].

أي: فمع بيان رسالته وصدق معجزاته وتصديق الكتاب المنزل عليه بأقواله وأعماله أعرضوا عنه وكفروا به، وأعرضوا عن الإيمان برسالته وبالكتاب المنزل عليه، وأبوا إلا الفسوق والشرك والعصيان، ثم تولوا، ولم يكتفوا بأن أعرضوا بعد مجيئه إليهم وبعد دعوته لهم وإظهاره لهم رسالته بما فيها من صدق وبما فيها من حق، بل زادوا فقالوا: {مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} [الدخان:١٤].

قالوا: لم ينزل عليه وحي، وإنما علمه بشر ولقنه ذلك، وهو - مع ذلك - مجنون في دعواه النبوءة والرسالة وأنه انفرد بالوحي من الله دون هؤلاء الخلق، فازدادوا كفراً وازدادوا شركاً وازدادوا لعنة وازدادوا استحقاقاً للنقمة والعذاب المحيط الأليم.

فهؤلاء سيعاقبهم الله في الدنيا قبل الآخرة بنزع خيره ورحمته عنهم، وابتلائهم بهذه العلامات وهذا المعجزات وهذه الأمارات قبل قيام الساعة من الخسف وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى الذي سيقتل كل كافر، ولا يقبل يهوديةً ولا نصرانيةً ولا نفاقاً، وسيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويهدم البيع، ويخرب الكنائس، ويدعو إلى الله الواحد وإلى الإيمان بخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم.

ويبتليهم بالدابة تخرج من مكة المكرمة تجرح الناس وتضربهم في جباههم في وجناتهم، فيكتب على الوجوه: هذا كافر، هذا مؤمن، يقرأ ذلك من يقرأ ومن لا يقرأ، فهذه الدابة تكشف الباطن من ضمائر الناس وتظهر النفاق بكتابتها.

ثم تخرج من قعر عدن نار تسوق الناس سوقاً وهم يتسابقون في الإفلات من حريق هذه النار، وقلما يفلت منها كافر، وقلما يفلت منها منافق.

فهؤلاء الذين جاءهم النبي المبين البين الرسالة بالكتاب المنزل عليه البين في صدقه وفي أمانته وفي معجزاته، ومع ذلك أعرضوا عنه وتولوا عن رسالته وقالوا عنه ما قالوا من كفر وشرك وخروج عن الآداب البشرية كلها، هؤلاء إذا لم يؤمنوا فمصيرهم جهنم.

فما قالوه هو الكفر البين والعداء الواضح والإصرار على معاندة الله ومعاندة رسوله والعناد في وجه الحق.