للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون)]

قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان:٤٤].

أي: أتظن يا محمد! أن هؤلاء الكفار الذين اتخذوا إلههم أهواءهم عندما تخاطبهم يسمعون أو يعقلون؟ فهم يسمعون منك ولا يعون، فلا يسمعون إلا الصوت.

وعندما تتلو كتاب ربك وبيانه من سنتك، وتشرح لهم ذلك أتظن أنهم يسمعون أو يعقلون؟ فلا سمع لهم ولا عقل، إنما هي الأصوات يسمعونها كما نسمع الدواب عندما تتكلم، ولا ندرك إلا أصواتاً أو لغة لا نفهمها، فكان هؤلاء لفسادهم وضلالهم واتخاذهم أهواءهم آلهة يسمعون الصوت ولا يعون المعنى، ويسمعون الكلام ولا يعقلونه، ولا يدركونه، ولا يعونه.

قال الله عنهم: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ} [الفرقان:٤٤] أي: ليس هؤلاء إلا كالدواب والحيوانات، كحمارك، وكبغلتك، وكبعيرك، وكشاتك.

فمعنى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ} [الفرقان:٤٤] أي: ليسوا إلا كالأنعام.

وقوله: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان:٤٤] أي: أبعد طريقاً في الكفر والضلال والجهل وعدم السمع وعدم العقل وعدم الوعي، فهم أقبح من الدواب والأنعام؛ لأن الأنعام عندما يحسن إليها ربها وصاحبها ومالكها فيطعمها ويشربها ويعطيها الكلأ ويحفظها من الذئاب ومن الضواري، فإنها تعتاده وتتبعه وتحبه، وتحرص على أن تكون معه.

ثم هي تفيده بولادتها من بطونها، وتفيده بأوبارها وأشعارها من ظهورها، أما هؤلاء فربهم الرازق المعطي المحيي، الذي رزقهم أعيناً وألسنة، ورزقهم شباباً وصحة، وأحياهم، فكفروا به، وأعرضوا عنه، واتخذوا الآلهة أرباباً من دون الله، فهم على ذلك أضل سبيلاً.

وهذا ما يقوله القرآن يجب على المسلم أن يسمعه، ويقوم به، ويعتقده اعتقاداً جازماً: أن كل كافر في الأرض، وكل مرتد من المسلمين هو والحيوانات سواء، بل إن الحيوانات أشرف منه وأكرم.

ولا تغتر بمن قالوا عنه: مثقف أو دارس أو فيلسوف أو رئيس أو يدرك شيئاً، فهم كالأنعام بل هم أضل، وهم لا يسمعون ولا يعقلون، فكل من يكفر بالله الخالق ويجعل له ثانياً ويعبد هوى نفسه ويعبد أوثانه وحجارته، إن أسمعته كتاب الله لا يسمع منك إلا الصوت، فلا يعقل ولا يدرك ولا يفهم، وهو بهذا الاعتبار حيوان أعجم، بل الحيوان أشرف منه وأكرم منه.

وإذا كان بينك وبينه معاملة دنيوية فقم بها، وما سوى ذلك لا تعامله ولا تصاحبه ولا تقل يوماً عنه: إنه مدرك أو عاقل أو يفهم، ومن كفر بربه يوشك أن يكفر بك يوماً، وأن يغدر عليك، وأن يجور عليك، وأن يأكل مالك، ويبطش بك.

وهكذا يفعل الكفار اليوم في الأرض، فقد تواطئوا وتآمروا على المسلمين يهوداً ونصارى وملاحدة، ومنافقين من الداخل كذلك.