للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان)]

قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الروم:٥٦].

يجيب العلماء والمؤمنون المجرمين ويكذبونهم، هؤلاء المؤمنون الذين آمنوا بربهم ونبيهم في الدنيا، وعندما بعثوا علموا أنهم قد عاشوا دهراً، وأنهم بعثوا من جديد، وأن هذا اليوم يوم البعث والنشور والحياة الثانية.

وقال أهل العلم: العلماء أيضاً من الملائكة والرسل وعموم المؤمنين.

وقوله تعالى: {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الروم:٥٦].

أي: في ما كتبه الله وقدره، أي: في جنس الكتاب، وهو الكتب السماوية المنزلة على أنبيائكم من صحائف إبراهيم، ومن زبور داود، ومن توراة موسى، ومن إنجيل عيسى، ومن القرآن المنزل على خاتمهم محمد صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين، فأنتم قد بلغتم وعلمنا ذلك في كتاب الله وقدره السابق أننا سنعيش دهراً ونحن نبعث بعد ذلك.

ومعنى: {لَبِثْتُمْ} [الروم:٥٦]: أقمتم.

وقوله تعالى: {إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} [الروم:٥٦].

أي: عشتم في دنياكم زمناً ثم متم بعد ذلك، وبقيتم في قبوركم إلى يوم البعث.

وقوله تعالى: {فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ} [الروم:٥٦].

أي: هذا الذي أنتم فيه هو يوم البعث الذي كنتم تنكرونه، فأنتم تعيشون في واقعة حقيقية، وما كنتم تنكرونه قد رأيتموه رأي العين وسمعتموه بالآذان وعشتم في واقعه.

وقوله تعالى: {وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الروم:٥٦].

أي: كنتم في حياتكم الدنيا مشركين كفرة لم تعلموا علماً، ولم تعلموا إيماناً، ولم تدركوا يقيناً، عشتم كفرة كذبة وبعثتم كفرة كذبة، ولا تزالون تكذبون إلى الآن عندما تقسمون أنكم ما لبثتم في دنياكم إلا لحظات لا تكاد تدرك.

وقال البعض من العلماء: معنى قوله تعالى: {يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم:٥٥] بأنهم أقسموا أنهم ما أقاموا في قبورهم إلا ساعة.

وقال من قال تعليقاً على هذا الفهم: إن كانوا قد أقسموا على أنهم لم يقيموا في القبور إلا ساعة فأين عذاب القبر وهو حق؟ وتواترت به الأحاديث، فكيف لم يشعروا وهو عليهم وفي أرواحهم؟ فكان جواب البعض ممن حاول أن يقر هذا الفهم وهذا المعنى بقوله: عذبت الأرواح والآن قد بعثت الأشباح.

والأشباح لم تكن ذات روح لم تشعر بالعذاب، ولكن الذي شعر بالعذاب هي الروح، فلو أنهم شعروا بالعذاب وعلموا به ثم كذبوا، فإنهم كذبة في الدنيا ثم كذبوا في الآخرة مرة ثانية.

وهذا المعنى في القرآن في غير ما آية، من أنهم أقسموا على أنهم ما لبثوا في الدنيا غير ساعة، وأن عذاب القبر حق، والعذاب للروح لا للشبح.