للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون)]

قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات:١٤٧]، أي: بعثه نبياً رسولاً إلى مائة ألف إنسان من الذكور والإناث: ((أَوْ يَزِيدُونَ))، و (أو) هنا بمعنى: بل، أي: بل يزيدون، قالوا: عشرة آلاف، وقيل: بل عشرون ألفاً.

وهنا اختلف المفسرون: هل أرسل في هؤلاء إلا بعد أن خرج من قعر البحر أم قبل ذلك؟ قال البعض: بعد ذلك، وقال البعض: قبل ذلك، وقال البعض: أرسل إلى عشيرتين وقبيلتين، بعض أولئك كان قبل أن يلقى في البحر، وبعضهم كان بعد خروجه، أما من يقول: لم يكن رسولاً إلا بعد خروجه من بطن الحوت فكلام الله يرده؛ لأن الله قال عنه: ((أَبَقَ)) أي: فر، وقال عنه: ((وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا)) فهو كان رسولاً قبل أن يلتقمه الحوت حسب السياق القرآني.

وقال تعالى في آية أخرى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس:٩٨].

أي: فلولا كانت قرية ممن أرسل إليهم الرسل آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس آمنوا جميعهم ولم يتأخر منهم أحد، وإن كانوا في آخر ساعة، بعد أن هددهم نبيهم أن العذاب محيط بهم وبوجودهم، فهددهم وأنذرهم ثلاثة أيام، فمضى اليوم الأول، وأخذت الناس غشية، وفي اليوم الثاني زاد، وفي بداية الثالث أخذت تصيب الناس آلام وأوجاع، وإذا بهم يجتمعون، ويخرجون إلى صحراء بلدتهم بنسائهم وأطفالهم ودوابهم، ففرقوا الأولاد عن الأمهات سواء من الإنس أو من الحيوان، فكانت تصيح، وأخذوا هم يصيحون فاستجاب الله لهم، وهذا الذي لم يعرفه يونس إلا بعد أن أنقذ من الغم ومن الكرب، وبعد أن خرج من البحر ذهب إلى قومه وإذا بهم جميعاً مسلمون، وقالوا: بينا هو في الطريق إليهم وهو يفكر: ماذا سأقول لهم؟ وقد شعرت عندهم أني كذاب مع دعواي النبوءة ودعواي الرسالة، وأنكم ستبتلون بعد ثلاثة أيام ولم يحصل شيء، وإذا بغلام وقف عند رأسه فنظر إليه وصوب النظر، قال: أنت يونس؟ فقال: أنا يونس، فقال: اذهب إلى ملك قومك وقل لهم: رأيت يونس فإن كذبوك، فقل لهم كذا وكذا وأعطاه أمارة، فوجدهم مؤمنين، قال تعالى: {فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات:١٤٨] أي: آمنوا جميعاً بالله رباً، فمتعهم الله بالحياة وبالعافية إلى حين، أي: إلى حين آجالهم، إلى حين موتهم، كما يموت كل حي.